ثورة أون لاين – سامر البوظة:
مهما حاول الاتحاد الأوروبي وفعل لإثبات أنه يتمتع باستقلالية قراره فإنه لن ينجح، ويوماً بعد يوم يؤكد تبعيته المذلة وانصياعه التام للولايات والمتحدة وتماهيه مع رغباتها، ويثبت في الوقت ذاته أنه لا يستطيع التخلص والخروج من العباءة الأميركية ولو كان ذلك على حساب مصالحه الاستراتيجية، وهو يعي ذلك تماماً ويعي أن الأميركي لا يفكر إلا في نفسه، إلا أنه عاجز عن اتخاذ القرار.
الاتحاد الأوروبي وعلى الطريقة الأميركية اتهم مؤخراً روسيا والصين بأنهما قامتا بحملات تضليل أثناء فترة تفشي فيروس كورونا المستجد بذريعة محاولة “تقويض” الديمقراطيات حسب ادعائه، وذلك وفق ما ذكرته وكالة “فرانس برس”, وهو بذلك يثبت للعالم جحوده ونكرانه للجميل لمن وقف معه أثناء الأزمة التي اجتاحت القارة العجوز, خاصة وأن الإدارة الأميركية سبق أن وجهت اتهامات مشابهة لروسيا في شباط الماضي, وهو ما نفته موسكو بشكل قاطع ونددت آنذاك بـ”رواية كاذبة بشكل متعمد”.
أزمة كورونا كشفت عن التصدع والانقسام العميق داخل الاتحاد، وهددت بتفكيك الاتحاد وانهياره خاصة في ظل سعي بعض القوى العظمى لاستغلال الأزمة لصالحها, ولكن يبدو أن دول الاتحاد قد نسيت أو تناست عمداً ما قدمته روسيا والصين أثناء الأزمة في الوقت الذي تخلت فيه واشنطن عنهم.
ففي الوقت الذي كانت تواجه فيه دول العالم صعوبة في السيطرة على انتشار الفيروس القاتل, وفيما كانت الولايات المتحدة منطوية على نفسها تحت مظلة سياسة “أميركا أولاً” التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال أزمة جائحة كورونا, وفي مقابل سياسة العزلة التي يقودها تجاه بروكسل، لم تتردد روسيا عن تقديم المساعدة, ومشهد القوافل الطبية والمساعدات الروسية وهي تدخل أوروبا وإيطاليا على وجه الخصوص لا يزال في ذاكرة الأوروبيين, والصين أيضاً أرسلت ملايين الأقنعة والإمدادات الطبية الأخرى إلى العديد من الدول الأوروبية ولا سيما إيطاليا وإسبانيا والتشيك وبلدان أخرى, بينما أقفلت الولايات المتحدة حدودها ويومها عبر قادة الاتحاد عن استيائهم من قرار واشنطن فرض حظر من جانب واحد من وإلى دول الاتحاد دون أن تتشاور مع بروكسل.
المسؤولون الأوروبيون يدركون تماماً مدى حاجة الاتحاد للصين خاصة للدفاع عن أولوياته في المنتديات الدولية، وأقروا بلسانهم بأن أوروبا ساذجة جداً في علاقاتها مع الصين, وهو ما أكده العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين, واعترف به وزير خارجية الاتحاد جوزيف بوريل للصحافة الفرنسية, بعد أن دعا إلى مقاربة أقل سذاجة للاتحاد الأوروبي في علاقته مع بكين وإلى بناء علاقات واقعية.
التخبط في السياسة الأوروبية لا يفسر إلا أنها استرضاء للولايات المتحدة والإدارة الأميركية ولا يريدون إغضابها, ويؤكد في الوقت نفسه تبعتيها وارتهانها بيد حكام البيت الأبيض, ولا يمكن أن يكونوا أسياد قراراتهم إلا إذا امتلكوا الجرأة ووقفوا في وجه الغطرسة والهيمنة الأميركية وسجلوا موقفاً مستقلاً يمكن في يوم أن يذكره التاريخ.