حين تكون المصطلحات مخاتلة

 الملق الثقافي:سلام الفاضل:

عُنيت الدراسات الأدبية والنقدية العربية بمصطلح «الأدب العالمي» وأسسه الفكرية والنقدية، عناية واسعة، هيمنت فيها ثلاثة مفهومات اصطلاحية رئيسة، هي: «الأدب العالمي»، و»الآداب العالمية»، و»عالمية الأدب»، جرى تداولها مترادفة متقاربة الدلالات في عدد من الدراسات، ومتفارقة متنوعة الدلالات في دراسات أخرى.
وبهدف تعزيز الوعي النقدي بتداول هذه المصطلحات تداولاً اصطلاحياً يقبل حق الاختلاف والتنوع في المواقف والرؤى، ولكنه يدرس مسارات التجلي النقدية لهذا الحق، يأتي كتيب (مصطلحات مخاتلة… مصطلح «الأدب العالمي» أنموذجاً)، تأليف: د. راتب سكر، والصادر ضمن سلسلة «قضايا لغوية» عن الهيئة العامة السورية للكتاب، بغية تحديد المسارات المنهجية الخاصة بهذه المصطلحات، وتخفيف مؤثرات الغموض والاضطراب عن أدواتها.
التسميات والمصطلحات
ينسحب هذا الكتيب على فصلين يتناول الفصل الأول منهما (التسميات والمفهومات والمصطلحات)، ويفتتح مؤلف الكتاب د. راتب سكر هذا الفصل بتبيان أن الأسماء والأفعال كانت في المجتمعات البشرية البدائية القديمة تقابل الأشياء والأحداث في الوجود، موضحاً أن علماء اللغة والمصطلح قد سموا فيما بعد هذه الظاهرة الأولى في تداول اللغة بـ (الحقيقة اللغوية)، وهي ما أُقر في الاستعمال اللغوي على أصل وضعه في اللغة. ثم انتقلت البشرية على مدارج التاريخ من الحقيقة اللغوية إلى الحقيقة المعرفية والحقيقة الاصطلاحية.
وفي الثقافة العربية كان الجاحظ من أوائل الذين أشاروا إلى ولادة ظاهرة الاصطلاح في كتابه «البيان والتبيين». وقد بيّن د. ممدوح خسارة في كتابه المهم «علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية» أن تسمية المصطلح لم تكن متداولة في تراثنا العربي القديم، وهي لم تستقر في لغتا إلا بعد قرون. وعليه يرى مؤلف الكتاب د. سكر أنه وتأسيساً على هذه الرؤية المفيدة، فإن من يتابع مسيرة تداول المصطلح عربياُ، يكتشف ما أثّر فيه منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، من مؤثرات أوربية متنامية، تفرض على دارس مصطلحات العلوم والثقافات والفنون في العصر الحديث، إيلاء سبل تلك المؤثرات وظواهرها، ولا سيما الترجمة، اهتماماً لائقاً.
مخاتلة الدلالة وضرورات التداول
يتناول الفصل الثاني من هذا الكتيب الحديث عن مصطلح «الأدب العالمي»، ويعود بهذا المصطلح إلى بدايات نشأته الأولى في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حين طرح الأديب الألماني يوهان فولفانع فون غوته دعوته الشهيرة إلى وجود «أدب عالمي» يتسم بسمات فنية وفكرية ووجدانية محددة، في «زمن تغدو فيه كل الآداب أدباً واحداً، تؤدي فيه كل أمة دورها في اتساق عظيم».
وبعد غوته تناول مصطلح «الأدب العالمي» باحثون لاحقون مختلفون بالمناقشة والتحليل والتعديل والإضافة، حتى غدا المصطلح «يعني الأدب الذي ينتشر في العالم، فلا يتوقف عند حدود اللغة والجغرافيا، لأنه جزء من التراث الإنساني»، وهذا الأمر فتح الباب أمام مجتهدين محدثين أعادوا ترسيم الحدود الدلالية لهذا المصطلح.
عالمية الأدب
في غمرة الدراسات الأدبية المعنية بالأدب العالمي ظهر مصطلح «عالمية الأدب» وقد وضّح الدكتور محمد غنيمي هلال طابع التفريق بين هذين المصطلحين في شروحه، إذ رأى أن مفهوم «عالمية الأدب» هو مفهوم متداخل مع مفهوم «الأدب العالمي» على الرغم مما يحمله من مغايرة وتميز، فهو مستند إلى قدرة أدب لغة ما على الاطلاع على آداب أخرى، والإفادة منها، وإلى قدرة أدب لغة ما على التأثير في آداب أخرى تأثيراً مفيداً في نمائها الفني والفكري.
وقد قاد هذا الربط بسبل اطلاع الأدب القومي على الآداب الأخرى، واستلهام مؤثراتها، إلى العناية بمنجزات أدبية لا تمتلك شروط الأدب العالمي في أحيان كثيرة، ما دامت الغاية العلمية للدراسات الأدبية في مثل هذه الحال، معنية بجانب التأثر والتأثير قبل أي جانب آخر، ومن هنا تبدو خصوصية الاستخدام النقدي لمصطلح «عالمية الأدب» لدى عدد من الباحثين، في سياق دلالي مختلف عن سياق الاستخدام النقدي الشائع لمصطلح «الأدب العالمي»
الآداب العالمية
فضلاً عن التداخل بين مصطلحي «الأدب العالمي» و»عالمية الأدب»، يلحظ دارس المؤلفات المعنية بالأدب العالمي وعالمية الأدب أن بعض الباحثين يتداولون مصطلح «الآداب العالمية» معادلاً ومرادفاً لمصطلح «الأدب العالمي». ولحل هذه الثنائية الاصطلاحية، لا بد من وجود رؤية مضمرة لدى الباحثين الذين يتداولون المصطلحين مترادفين، مع إشارتهم إلى علاقة مصطلح «الآداب العالمية» بتمثيل آداب «تشمل بلاد العالم قاطبة». وهذا الفهم المؤسس على هذه الرؤية يمكن متابعة تداوله لدى غير باحث، معادلاً لمصطلح «الآداب الإنسانية» التي تنتجها آداب اللغات في المجتمعات البشرية المختلفة، بغض النظر عن معايير جودتها وانتشارها عالمياً، بمثل قول د. عصام بهي: «إن الصلات بين الآداب العالمية واللغات المختلفة، قديمة قدم الإبداع الأدبي نفسه». وعليه فدلالة «الآداب العالمية» في المقبوس السابق، لا تبتعد عن دلالة «الآداب الإنسانية»، وترادفها ترادفاً يمكن تفهمه في دراسة عدد من مؤلفات الآداب العالمية، مثل كتاب د. محمد مرشحة (محاضرات في الآداب العالمية) الذي تضمن فصولاً وفقرات، لم يتأسس اختيار مواد دراستها على الأسس المعروفة للأدب العالمي، وهو ما سوّغ تخصيص د. مرشحة 22 صفحة لدراسة مسرح الكاتب مارسيل إيميه، وصفحتين لدراسة كاتب فرنسي آخر هو جان بول سارتر. وعليه فإن العلاقة بين الآداب العالمية، وآداب «بلاد العالم قاطبة» محتاجة إلى أسس منهجية واضحة تجنبها الوقوع في أسر الرغبات الذاتية لجمهور الباحثين، أو عشوائية اختياراتهم.

التاريخ: الثلاثاء23-6-2020

رقم العدد :1003

 

 

آخر الأخبار
بالتعاون  مع "  NRC".. "تربية" حلب تنهي تأهيل مدرسة سليمان الخاطر مزايا متعددة لاتفاقية التعاون بين المركز القطري للصحافة ونادي الإعلاميين السوريين تعزيز التعاون السوري – الياباني في مجالات الإنذار المبكر وإدارة الكوارث   تطبيق السعر المعلن  تطبيقه يتطلب مشاركة التجار على مدى يومين ...دورة "مهارات النشر العالمي" في جامعة اللاذقية مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لرفع العقوبات عن الرئيس الشرع في “60 دقيقة.. الشرع يقدّم نموذج القيادة السورية: صراحة في المضمون وحنكة في الرد إعادة الممتلكات المصادرة  لأصحابها تعيد الثقة بين الحكومة والمواطنين افتتاح مشروع لرعاية أطفال التوحد ومتلازمة داون بمعرة مصرين "تموين حلب" تبحث ملفات خدمية مشتركة مع "آفاد" التركية من دمشق إلى أنقرة... طريق جديد للتعاون مشاركة سورية في حدث تكنولوجي عالمي بعد غياب لسنوات إعلام بريطاني: خطة ترامب هشة وكل شيء اختفى في غزة جائزة نوبل للسلام.. من السلام إلى الهيمنة السياسية هل يستطيع ترامب إحياء نظام مراقبة الأسلحة الاستراتيجية؟ منطقة تجارية حرة.. مباحثات لتعزيز التعاون التجاري بين سوريا وتركيا التنسيق السوري التركي.. ضرورة استراتيجية لمواجهة مشاريع التقسيم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في إطار تنفيذ اتفاق غزة بين دمشق وبرلين.. ملف ترحيل اللاجئين يعود إلى الواجهة الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين