الترجمة جزء من الأدب القومي

 

الملحق الثقافي:د. فريد الشحف:

يعيش الأدب القومي حياته الخاصة المرتبطة بتاريخه، وظروف تطوّره المختلفة كلّها، ومتطلبات الحاضر المتنوعة، ومنها الاحتكاك مع الآداب القومية الأخرى. والتي تلعب الترجمة الدور الأهم فيها. لقد تركت الشخصيات الثقافية المشهورة عدداً من الأحكام، حول الأهمية التي لعبتها الترجمة في تطوّر الأدب الأصلي، وإبداعات الأدباء.
يقول الشاعر الألماني المشهور يوهانس آر. بيخر: “… ليس لمعظم الأدب القومي أهمية بدون أدب جيّد مترجم. حيث يساهم تأسيس ثقافة عالية للترجمة في نمو الأدب القومي وإعطائه طابعاً قومياً”.
تعتبر الترجمة إحدى حلقات العملية الأدبية. وهي ليست مجرّد نسخ بسيط، وليست حرفة، بل هي نوع من الإبداع الأدبي. إضافة إلى ذلك فإنّ الترجمة هي أحد أنواع الأدب- وجزء من أي أدب قومي. فالترجمة تنتمي إلى الأدب القومي. إنّ المترجم، شأنه شأن الكاتب، مسؤول عن كل كلمة وكل عبارة، كونه وسيط بين الثقافات المختلفة. ويجب على المترجم إنشاء نص أدبي وفني جديد، مع الاستفادة الكاملة من غنى لغته الأم كلّه، واختيار الأكثر ضرورة والأكثر مناسبة والأكثر صحة. فالترجمة في النهاية هي فن. وقد اعتبر مكسيم غوركي، المبادر لأعظم مهمة ترجمة لطبعة 200 مجلد لموسوعة “الأدب العالمي”، أن الترجمة هي المهنة الأكثر ضرورية والأكثر جدارة بالاهتمام.
تتوسع بشكل متزايد في عالمنا المعاصر الذي يتكلّم بعدد كبير من اللغات، الاحتكاك بين الناس والشعوب. إنّ الترجمة كشكل مادي ونشاط روحي تحتل في هذه العملية الهائلة من حيث الحجم والأهمية، دوراً هاماً متزايداً. وتصبح، بحفاظها على تنوّع الأدب الأصيل، جزءاً لا يتجزأ من النثر الأصلي أو الشعر عندما تبدو طبيعية حرّة كذلك، مثل الإنتاج الأدبي الأصيل.
المترجمون هم أناس زمنهم وشعبهم؛ وتفسير النص الأصلي هو حقهم غير القابل للتصرّف. لا توجد ترجمة فنيّة بدون إعادة فهم وتفسير النص الأصلي: التفسير ضمن مفهوم “الترجمة” لا يقتصر على احتمال وحيد واحد، وإلاّ كيف استطاعت أن تبقى في اللغة العربية أكثر من ترجمة “لهاملت” مثلاً؟ وحسب تعبير بوشكين فإنّ المترجمين هم أحصنة التنوير. إن ترجمة قصائد أو نصوص نثر رائعة هي حدث أدبي مهم. كون ترجمة إبداع كتاب وشعراء بارزين، ليس ليتعرّف القراء فقط على المحتوى التقريبي للأعمال، بل لكي يستطيعوا الاستمتاع بها كعمل أدبي.
إنّ هناك الكثير من الأعمال الأدبية، التي تُرجمت من اللغات الأجنبية، كانت جيّدة لدرجة أنّها دخلت الأدب العربي، كما دخلت أعمال كتاب كبار، كحنّا مينه ونجيب محفوظ وغيرهما. أين يمكن أن تكون هذه الترجمات الأدبية الرائعة، إن لم تكن في كنوز الأدب العربي؟!
يواجه المترجم دائماً المهمّة الأصعب: تكرار ما لا يتكرّر. ومكونات النجاح بالطبع، معرفة الأرضية الثقافية، التي كُتب فيها النص الأصلي، وامتلاك تقنيّة الترجمة، والاهتمام الصادق بأدب المؤلّف المُترجم. بالإضافة إلى تلك الروح الحيّة التي تسكن بين سطور النص الأدبي والتي هي من تُحدّد في النهاية الفرق بين النص التقني والنص الأدبي. يمكن استثناء عن عمد معرفة اللغة الأصل من المكونات المذكورة أعلاه، لأن تجربة الترجمة تشهد على أنّه لا توجد قواعد وقوانين عامّة. هناك الكثير من حالات الترجمة الجيّدة عند إتقان المترجم للغة الأصلية، وهناك حالات ترجمة سيّئة عند إتقان المترجم اللغة الأصلية إتقاناً جيّداً.
السؤال المثير للاهتمام أيضاً، حول إعادة الترجمة. وهل هي ضرورية؟ وهل يجب إعادة ترجمة الأعمال من جديد والتي كانت رائعة يوماً ما؟ بالطبع إعادة الترجمة ضرورية. أولاً- الزمن يمضي والسياق الثقافي يتغيّر بأكمله، والكلاسيكية، على الرغم من أنها حيّة إلى الأبد، يجب أن تُقرأ وتُسمع في سياق جديد. ثانياً- إن الكثير من الأعمال الكلاسيكية المترجمة في بداية ومنتصف القرن الماضي، قد تُرجمت عن لغة ثالثة وسيطة. ثالثاً- يجب عدم حرمان الجيل الجديد من إمكانية إعادة قراءة النصوص الكلاسيكية. يجب ترجمة الأدب الكلاسيكي من جديد ومن جديد. وهذه ضرورة موضوعية. فالترجمة هي إبداع، وفي الإبداع كل شيء ودائماً هو وحيد. وكلّما اقترب النصّ من الكمال في الترجمة، كان تفرّده غير قابل للنقاش، وكلّما كانت الترجمة أصعب. فالكلمات الوحيدة الضرورية وتناسبها (من بين الملايين من الكلمات الممكنة) قد وجدها أحد ما ذات مرّة، لا يجب إعادة نسخها، هذا يعني أنه يجب البحث عن كلمات جديدة. وكي تشعر بصوت الشاعر الأجنبي الذي لا يتكرّر، على الترجمة أن تكون فنّية قبل كل شيء، ومن ثم بأعلى درجة من الدقّة، ولكن ليس العكس.
لقد لعب الأدب المترجم دوراً هاماً في عملية التكامل الثقافي وتأكيد ذات الأدب القومي، وساهم في تجاوز التناقضات بين العناصر التقليدية والجديدة في الثقافات القومية، ولعب دوراً هاماً في تكوين وجهة النظر التقدمية عند جزء كبير من الفئة المثقفة.

التاريخ: الثلاثاء7-7-2020

رقم العدد :1004

 

 

آخر الأخبار
معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا مواطنون لـ"الثورة": الأسعار تنخفض ونأمل بالمزيد على مستوى الكهرباء وبقية الخدمات الوزير أبو زيد من درعا.. إحصاء المخالفات وتوصيف الآبار لمعالجة وضعها أعطال بشبكات كهرباء درعا بسبب زيادة الأحمال جديدة عرطوز تستعيد ملامحها الهادئة بعد قرار إزالة الأكشاك استثماراً للأفق المستجد.. هيئة الإشراف على التأمين تفتح باب ترخيص "وسيط تأمين" جسر جوي _ بري مؤلف من أربعين شاحنة من المملكة العربية السعودية للشعب السوري الشقيق رئيس منظمة الهلال الأحمر لـ "الثورة" المساعدات ستغطي كامل الجغرافيا السورية وسيستفيد منها الجميع وزير العدل يلتقي وفداً من إدارة قضايا الدولة في انتظار وصول طائرتي مساعدات سعوديتين من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إخماد حريق كبير في العصرونية بدمشق القديمة المسيحيون في حلب يحتفلون.. العيد عيدان وزير التربية والتعليم يلتقي وفداً من منظمة CESVI الإيطالية رئيس مجلس الوزراء يناقش أوضاع الجامعات مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تصدر تعميم يتضمن الإجراءات المطلوبة لتأسيس المنظمات غير الحكومية مصدر عسكري: لا صحة لأي نبأ بشأن انسحاب لوحدات قواتنا بريف دمشق في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء.. الجلالي: الحكومة تمتلك الخبرة والقدرة على التعامل مع الأوضاع الطار... "الطيران المدني": مطار دمشق الدولي يعمل بكامل طاقته القضاء على عشرات الإرهابيين بريفي حماة وحمص