ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
على الرغم مما يعتقده ويروّج له المعلقون الأمريكيون والأوروبيون، فإن هناك بالفعل رغبة عميقة بين الناس في روسيا للتصويت لصالح سيادة بلادهم، وقد ظهرت هذه الرغبة مع الإعلان عن نتائج التصويت العام الذي جرى في روسيا والذي تمت بموجبه الموافقة على إجراء عدد من التغييرات على الدستور.
وكانت الحصيلة النهائية للتصويت الذي جرى هي 78٪ لصالح التغييرات بمشاركة بلغت 65٪ من إجمالي عدد المصوتين على الاستفتاء، وتعتبر هذه التغييرات الأكثر شمولية للدستور الروسي منذ أن تم التصديق عليه في عام 1993، والذي تم بموجبه منح الرئيس سلطات كبيرة.
وكان الجانب المهم في الحزمة النهائية للإصلاحات هو السماح للرئيس أن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية لأكثر من فترتين “متتاليتين”، وكان الموضوع الشامل للتغييرات هو نقل السلطة من الرئاسة ووضع المزيد من السلطة في يد النواب المنتخبين في مجلس الدوما.
وبناءً على التغييرات سيتم اختيار حكومة الرئيس من مجلس الدوما وليس من قبل الرئيس نفسه، كما تمت إضافة مجلس الدولة رسمياً إلى الدستور الذي يمكنه تنفيذ المراسيم الرئاسية مباشرة.
بعيداً عن المنظور السياسي لهذه التغييرات فلا شك أن الهدف الرئيسي منها هو جعل روسيا أكثر مقاومة للتدخل الخارجي و ستعكس في الوقت نفسه الفخر المتزايد للروس بوطنهم.
ويبدو من الواضح أن أغلب هذه التغييرات الدستورية، هي تغييرات تدريجية وتعتبر ضرورية لتأمين مستقبل روسيا على المدى القريب في ظل عداء لا متناه من أمريكا خاصة والغرب عموماً.
ولهذا السبب، فقد لاقت هذه التغييرات ترحيباً كبيراً من غالبية الروس لأن الشعب الروسي أصبح يدرك تماما طبيعة الصراع الذي تواجهه بلادهم لدرجة أنهم كانوا متحمسين لإصدار بيان نهائي حولها.
في الطرف المقابل كان رد الصحافة الغربية مثيراً للشفقة بشكل واضح وغريبا، حيث ركّزت العناوين الرئيسية للصحافة وللأخبار فقط على احتمال بقاء بوتين في السلطة.
واليوم علت أصوات النيوليبراليين، أي المحافظين الجدد وعملاء المخابرات الذين ظل بوتين ينافسهم باستمرار على مدى الثلاثين عاماً الماضية، ففي النتيجة تعزز التغييرات الدستورية الدور الهام للرئاسة.
إن عدم الاستقرار السياسي الشديد الذي يعكس الأساس الاقتصادي المسموم الذي بنيت عليه المؤسسات في جميع أنحاء الغرب، يشهد حالياً مقاومة هائلة للنظام الحالي من جميع جوانب الأطياف السياسية، إن غضبهم وإحباطهم لهما نفس التكوين مع اختلاف أهدافهم بشكل كبير.
فالقوى التي تقف وراء تمزيق النظام السياسي في الولايات المتحدة تعارض نفس الدافع في أوروبا. والمفارقة التي لا يجب أن تغيب عن ذهن أي شخص الثورة ضد العنصرية التي تجري الآن في الولايات المتحدة، حيث أن النظام المؤسسي منوط بحكومة وطنية مع ولايات فردية والتي لاتزال تعمل وفقًا لتلك الحكومة الوطنية، وفي نفس الوقت فإن الإتحاد الأوروبي الذي يربط مجموعة من الدول ذات السيادة معاً عن طريق مجموعة فضفاضة من المعاهدات والذي لا يملك سلطة قانونية تقريباً لفرض مراسيمه ومقرراته، يقاوم بعنف كبير جميع أشكال التعبير عن السيادة الوطنية في البلدان الأخرى ويصفها بالوحشية.
لذلك يجب أن تكون الصورة واضحة للغاية حول الآلية ومن الذي يسحب الخيوط إلى النهاية وهذا هو سبب الغضب والرفض والاستهجان الذي يظهره الغرب حول هذه الإصلاحات والتغييرات في روسيا، إذ لا يمكنهم السماح بظهور أي مظهر ناجح عن السيادة الوطنية خوفاً من أن يحصل أتباعهم على بعض الأفكار “الغريبة” منها.
ولكن لا يبدو أن أياً من هذه الآليات المتبعة ستفوز في نهاية المطاف، فالولايات المتحدة قد لا تنجو في وضعها الحالي من حرب أهلية، كما أن أوروبا لن تعيش وضعاً مستقراً في ظل التغيرات الدولية الحاصلة.
بالنسبة لبوتين فقد كان مفتاح نجاحه هو طبيعته المحافظة التي تدرك أن التغيير يأتي مع مرور الوقت، إذ لا يمكن فرض تغيير دائم، ويجب أن تسمح للناس مع الوقت، أن يتعودوا على فكرة، وفي نفس الوقت يجب أن تكون على استعداد للاعتراف بأن بعض التغييرات يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة.
لهذه الأسباب تمت الموافقة على هذه التغييرات بأغلبية 80٪ تقريباً، لقد اتفق المصوتون على التغييرات بشكل كبير مع الرأي العام حول ما يجب أن يكون عليه مستقبل روسيا ومن يجب أن يتخذ جميع القرارات.
لقد قالها الشعب الروسي وللعالم أجمع، إن المرض الخطير الذي يصيب الغرب- الليبرالية غير المقيدة- لن تكون هي السياسة المناسبة للتقدم أو للمضي قدماً.
المصدر Strategic Culture Foundation