ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وحاجة كل مرشح لتعبئة ناخبيه بكل السبل الممكنة، تبدو جريمة مينيابوليس العنصرية هي بيضة القبان لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن من أجل إضعاف حظوظ منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب الطامح بقوة لولاية ثانية، وعلى هذا الأساس يرى الجمهوريون أن الهجوم على خصومهم الديمقراطيين هو أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ونفي تهم العنصرية عنهم، لاسيما وأن الجريمة حدثت في عهد ترامب، ورافقها تخبط كبير من قبله في التعاطي مع الاحتجاجات الشعبية.
في المطلق لا يختلف المرشحان (ترامب وبايدن) عن بعضهما كثيراً في التعاطي مع قضية العنصرية المتجذرة في سلوك أصحاب البشرة البيضاء تجاه مواطنيهم الملونين وخاصة ذوي البشرة السوداء، ولكن هناك انطباع عام بأن الديمقراطيين أو ما يسمى الليبراليون أو اليسار في أميركا يقفون إلى جانب الاحتجاجات المناهضة لترامب ويدافعون عن حقوق الأقلية السوداء المضطهدة في المواطنة، على أنهم الجنود الحقيقيون في معركة السود ضد العنصرية التي تستهدفهم، وبالتالي سيكون الجمهوريون أي اليمين أو ما يدعى بالتيار المحافظ الذي يمثله ترامب ــ حسب المعطيات الحالية ــ هم الطرف الداعم للعنصرية والمناهض لقيم العدالة والمساواة في أميركا، وهم من يؤيد ــ ولو بالصمت أو التجاهل ــ التيار اليمني المعادي للسود داخل المؤسسات الأميركية، ويتلكؤون في إنصافهم أو رفع الحيف عنهم.
وثمة من يرى أن العنصريين أو دعاة سيادة الجنس الأبيض على ما عداه ــ وهي حركة عنصرية منتشرة في أميركا ــ محسوبين فكرياً وسياسياً على اليمين الذي يمثله ترامب حالياً، ولأن هناك غضباً عارماً في أميركا تجاه سياسات ترامب، فإن الجمهوريين يخشون من تصويت الناخبين الأميركيين تصويتاً انتقاميا منهم في تشرين الثاني القادم، وذلك لوجود قناعة شبه تامة بأنهم يتحملون المسؤولية عن تفشي العنصرية، وهم يعلمون أن المعركة ضد العنصرية ستنال منهم، لأن خصومهم الديمقراطيين سيركزون على هذه القضية كثيراً في الأشهر القادمة.
ومن الملاحظ أن قلق الجمهوريين بدأ بالازدياد ــ واستطلاعات الرأي الأخيرة التي تقيس مزاج الناخبين تميل لصالح بايدن ــ في ضوء عاملين رئيسيين، الأول: هو توقيت تنامي مشاعر العداء للجمهوريين مع اقتراب موعد الانتخابات، والثاني هو ترامب نفسه ــ المصنف ضمن أسوأ الرؤساء الأميركيين ــ حيث توجه له تهمة تغذية النزعات العنصرية، ولا سيما أنه تجنب في مناسبات عديدة توجيه إدانات صريحة للجماعات اليمينية المنادية بتفوق العنصر الأبيض، وما يسجل عليه هو تحامله الشديد على المتظاهرين وكيل مختلف الاتهامات لهم، التخريب، الإرهاب، العمالة للخارج..إلخ، وكل هذه الاتهامات سيكون لها مردود عكسي على حظوظه أثناء الانتخابات.
في الواقع يجد الجمهوريون أنفسهم في معضلة لا يمكن الخروج منها إذا ما أرادوا فوز مرشحهم ذي الحظوظ الضعيفة نتيجة فشله في التعاطي مع جائحة كورونا وما سببته من انهيار اقتصادي وارتفاع في مستوى البطالة ،إضافة إلى جريمة مينيابوليس العنصرية التي زادت الطين بلة، إلا بتحرك سريع قد لا يسعفهم الوقت في حصد جدواه، ويتمحور هذا التحرك على- أولاً: الإدانة الصريحة والقاطعة للجرائم العنصرية ولكل أشكال العنصرية ضد السود أو غيرهم من الأقليات، ورفض التجاوزات التي ترتكبها الشرطة بحقهم، بمعنى نفي التهمة عنهم ــ وهو أمر صعب ــ من أجل سحب البساط من تحت أقدام الديمقراطيين الذين قدموا أنفسهم كمدافعين وحيدين عن السود وكذلك المنادين بالحرية والعدل والمساواة.
– ثانياً ضعضعة الثقة الشعبية في المنظمة التي تقود الاحتجاجات في الشارع “حياة السود مهمة” وخاصة أن هذه المنظمة قد اكتسبت شعبية كبيرة في الآونة الأخيرة عبر عنه أحد استطلاعات الرأي، حيث أظهر الاستطلاع أن ثلثي الأميركيين يؤيدون هذه المنظمة، وهذا ليس في صالح الجمهوريين، إذ من المتوقع أن تصب أصوات المؤيدين لها لصالح منافس ترامب، وهو ما يخشاه الجمهوريون كثيراً.
حملة الجمهوريين ضد المنظمة ومؤيديها من الديمقراطيين بدأها ترامب نفسه في عيد الاستقلال عندما توعد بهزيمة من أسماهم ب”اليسار الراديكالي” والماركسيين، والفوضويين، ومثيري الشغب، والمدانين بأعمال النهب والسلب”، على اعتبار أن هذه التهم هي أكثر ما ينفر الأميركيين، ومن يعرف التاريخ الأميركي يفهم تماماً خطورة مثل هذه التهم وخاصة الماركسية أو الشيوعية، وهي سلاح مجرب بنجاح منذ ستينات القرن الماضي.
وهو بذلك اتهم خصومه بالتخريب وممارسة الإرهاب الفكري ومحاولة إلصاق تهمة العنصرية بكل من يختلف معهم، وفي مقدمتهم الحزب الديمقراطي، وقد يلجأ الجمهوريون في هذا السياق إلى إلصاق تهمة الشيوعية بمنظمة “حياة السود مهمة” من أجل تصويرها كعدو للأميركيين، وما تهمة التمويل الخارجي للحركة سوى محاولة لتخوينها وفض الشعبية التي حصدتها في الاحتجاجاتالأخيرة.
باختصار ستتحول الأشهر التي تسبق الانتخابات الأميركية إلى بازار خاص بقضية العنصرية، أي توجيه التهمة من قبل هذا المرشح ونفيها من قبل المرشح الآخر، في مقابل اعتماد أسلوب الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، دون تجاهل بقية العوامل الأخرى الخاصة بكورونا والاقتصاد التي قد تلعب دوراً حاسماً في ترجيح كفة مرشح على آخر، إلا أن المعركة الانتخابية لن تكون سهلة هذه المرة أو تحسم مبكراً كما كان يجري في بعض الأحيان، لتبقى الانتخابات الرئاسية الأميركية هي حدث العام بكل تعقيداتها وتطوراتها ومفاجآتها