الثورة – سيرين المصطفى:
تُعد المبادرات الصحية التي تعتمد على إرسال فرق جوالة نسائية إلى مخيمات النازحين في شمال غربي سوريا من أبرز التجارب المحلية في مجال التوعية الصحية المجتمعية. فقد ساهمت هذه الفرق بشكل فعّال في تحسين مستوى الوعي الصحي لدى الأمهات، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي فرضتها سنوات الحرب والنزوح.
مع تشكّل آلاف المخيمات في المنطقة، وغياب الخدمات الأساسية في معظمها، برزت الحاجة الماسة إلى برامج توعية تستهدف النساء، لا سيما الحوامل والمرضعات، إضافة إلى الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون هشاشة صحية خاصة. وقد شكّلت الفرق الجوالة استجابة مرنة وفعّالة لهذا التحدي.
انطلقت هذه المشاريع عادة بمرحلة تدريبية مكثّفة، تشرف عليها كوادر مختصة، وتستهدف تهيئة الفرق النسائية للعمل الميداني بكفاءة. بعد التدريب، توضع خطة عمل تشمل تحديد المناطق المستهدفة وتوزيع الفرق، ثم تبدأ زيارات ميدانية منتظمة للمخيمات.
يتكوّن كل فريق من قائد وعدد من العضوات، وتتركز مهامهن على تقديم نصائح وإرشادات صحية مباشرة للنساء داخل المخيمات، كالتوعية بأهمية مراجعة المركز الصحي للحامل، وأسس العناية بالمولود، إضافة إلى رصد مؤشرات سوء التغذية لدى الأطفال وتحويل الحالات المشتبه بها إلى المراكز الطبية المختصة.
وقد التزمت العاملات بمعايير حماية وأمان واضحة، مثل عدم دخول أي خيمة بمفردهن، والاستئذان قبل بدء أي جلسة توعية، واحترام العادات المحلية لضمان تجاوب الأهالي وتعزيز الثقة المجتمعية. كما أُبلغت الفرق بعدم تنفيذ الزيارات في حال وجود ظروف خاصة داخل المنزل مثل حالات عزاء أو خلافات.
ورغم النجاح الملحوظ لهذه المبادرات، واجهت الفرق تحديات ميدانية متعددة، أبرزها ضعف استجابة بعض العائلات بسبب انشغالهم بالحاجات الإغاثية العاجلة، أو بسبب غياب الوعي بأهمية الرعاية الوقائية. كما اشتكت كثير من العاملات من صعوبة التوفيق بين العمل الميداني والواجبات الأسرية، إلى جانب مشقة التنقّل في ظروف مناخية صعبة.
مع ذلك، أظهرت التجربة فعالية واضحة في رفع مستوى الوعي الصحي وتعزيز دور النساء في المجتمعات المحلية، لا سيما في بيئات يندر فيها وجود خدمات صحية منظمة. وبذلك، مثّلت الفرق الجوالة النسائية ركيزة مهمة في الاستجابة الإنسانية لمخيمات شمال غربي سوريا، ونجحت في تحويل الجهد الصحي إلى ممارسة مجتمعية قائمة على التفاعل والثقة والدعم المباشر.