الثورة – هنادة سمير:
في ظل التوجهات الحكومية نحو تحديث بنية الدولة وإعادة بناء الإنسان قبل المؤسسة، أطلقت وزارة التنمية الإدارية برنامج استقطاب المدربين المحترفين لتطوير كفاءات الجهاز الحكومي لتطوير المنظومة التدريبية في القطاع العام وربطها بمسار التحول المؤسسي والإداري الذي يشكّل حجر الأساس في المرحلة الجديدة من إعادة بناء الدولة السورية.
و أوضحت الوزارة أن البرنامج الذي فتح باب التسجيل فيه حتى الثاني من تشرين الثاني 2025، يهدف إلى تشكيل قاعدة وطنية من المدربين المعتمدين بمختلف الاختصاصات الإدارية والفنية، للمساهمة في تنفيذ برامج تدريبية عالية الجودة تستهدف موظفي المؤسسات العامة، بما يضمن تحويل التدريب من إجراء شكلي إلى عملية إنتاج معرفي تحدث أثراً ملموساً في الأداء الحكومي.
منظومة الكفاءات
لطالما شكّلت الفجوة بين الكوادر الحكومية ومقتضيات الإدارة الحديثة أحد أبرز التحديات التي تواجه العمل العام في سوريا، فالكثير من الموظفين لم يحصلوا على تدريب حديث منذ سنوات طويلة، ما انعكس على مستوى الخدمة العامة وجودتها إلا أن خارطة التحول المؤسسي التي تقودها وزارة التنمية الإدارية منذ عام 2024، جاءت لتغيّر هذه الصورة جذرياً من خلال إعادة بناء مفهوم التدريب على أسس الكفاءة والتخصص.
نقلة نوعية
يبين الخبير في الإدارة العامة وتطوير الموارد البشرية الدكتور بشر خوري في حديثه لـ”الثورة ” أن إطلاق مثل هذا البرنامج يعكس إدراك الدولة لأهمية العنصر البشري في أي عملية إصلاح إداري حقيقي، ويضيف: المؤسسات تتغير بالكفاءات التي تُدير القرارات وتحوّلها إلى ممارسات عملية، لذلك فإن الاستثمار في تدريب المدربين هو استثمار في المستقبل المؤسسي للدولة.
ويرى خوري أن التحول في فلسفة التدريب من مجرد ترف إداري إلى ضرورة استراتيجية يمثل نقلة نوعية في الإدارة الحكومية، خاصة بعد التحديات التي واجهتها المؤسسات خلال السنوات الماضية من نقص الخبرات، وغياب أدوات التطوير الذاتي، وتضارب المهارات الوظيفية، واعتبر أن اعتماد معايير مهنية دقيقة لاختيار المدربين، يشكل ضمانة لتوحيد مستوى الجودة في التدريب الحكومي، ومن ثم تحقيق العدالة في تطوير قدرات العاملين بغض النظر عن الجهة التي ينتمون إليها.
كفاءة المدرب
الوزارة لم تكتفِ بإطلاق الإعلان، بل حدّدت سلسلة من المعايير لاختيار المدربين، تتعلق بالخبرة العملية، والقدرة على تصميم البرامج التدريبية، والتفاعل مع الجمهور الحكومي، إضافة إلى اجتياز مقابلات واختبارات تقييم الأداء.
وتشير الوزارة إلى أن الهدف هو تشكيل شبكة وطنية من المدربين القادرين على إحداث تحول في ثقافة العمل الحكومي وتؤكد أن هذا البرنامج يأتي ضمن خارطة متكاملة لتطوير رأس المال البشري في الدولة.
وأشارت الوزارة إلى أنها تستهدف استقطاب مدربين يمتلكون الشغف والخبرة في التطوير الإداري ليكونوا شركاء في التحول المؤسسي والمساهمة في رفع كفاءة العاملين في القطاع الحكومي وتعزيز التميز المؤسسي في الأداء والخدمة العامة ولينضم الى شبكة المدربين المحترفين في أكاديمية التدريب والتطوير الإداري في الوزارة لتحقيق التغيير المطلوب الذي يحدث فرقاً في أداء القطاع الحكومي عامة، التدريب يخدم المواطن أولاً.
من وجهة نظر اقتصادية وإدارية، فإن تطوير أداء العاملين الحكوميين لا ينعكس على المؤسسة فقط، بل على جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين.
يقول محمود الراوي، وهو موظف في إحدى مديريات الخدمات: الدورات التي تلقيتها سابقاً كانت محدودة الفائدة، لكن عندما يأتي مدرب يشرح بوضوح بيئة العمل الحكومية ويقدم حلولاً واقعية، فإن النتيجة ستكون مختلفة تماماً.
انعكاسات مباشرة
ويرى الدكتور خوري أن هذا النوع من البرامج لا يقتصر أثره على المدربين فحسب، بل يمتد إلى تحسين الخدمات العامة، وتقليص الهدر، وتبسيط الإجراءات الإدارية.
ويتابع: كل ساعة تدريب فعالة تساوي ساعات من العمل المنظم، وكل موظف مدرّب يعني خدمة أسرع وقراراً أكثر نضجاً ويؤكد أن هذا التوجه يعيد تعريف مفهوم الكفاءة في القطاع العام ليصبح أكثر ديناميكية ومبنياً على الأداء لا على التراتبية.
الاحتراف لتوطين المعرفة
وبحسب د خوري فإن هذه المقاربة – التي تضع المواطن في قلب عملية الإصلاح الإداري – تعدّ من أبرز التحولات في الفكر الحكومي الحديث، حيث يصبح الأداء المؤسسي مقياساً لجودة الحياة والخدمة العامة.
تتجه وزارة التنمية الإدارية، من خلال هذا البرنامج، إلى بناء بنك وطني للمدربين المعتمدين، يمكن الاستفادة منه على المستوى المركزي والمحلي، في كل ما يتعلق بالتدريب والتأهيل المهني.