إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
قد تُمثل السنة الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية الدافع لاعتلاء رؤوس التطرف – من الجمهوريين والديمقراطيين – مُجدداً السقوف المُرتفعة التي تَعتليها، ذلك مع تَكاثر التَحرشات، ومع تسجيل خطوات باتجاه التَصعيد وإطلاق المزيد من التَهديدات، وذلك مع فتح ملفات ومحاولة افتتاح جبهات جديدة للمواجهة. لكن ماذا عن الأسباب والدوافع الأخرى؟.
أميركا أولاً، إنهاءُ حروب أميركا “التي لا تنتهي”، الانسحابُ من العراق وأفغانستان، كانت عناوين مَركزية في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وقد قيل آنذاك إن واشنطن التي تَحولت الصين هاجساً لها مع انتهاء ولاية باراك أوباما الأولى وبدء الثانية، تَضع الصين هدفاً لها كتحد أساسي يُوجب عليها الاتجاه شرقاً.
اليوم تُوشك ولاية ترامب على الانتهاء، بينما التراجع وحده سيد الموقف يُحدث بأسباب ودوافع اعتماد البلطجة نهجاً وسياسة رسمية للإدارة الحالية، وللدولة العميقة، ذلك أنّ الإرهاب الاقتصادي الذي استُخدم – عقوبات، حصار، انسحابات من اتفاقيات دولية، وحروب تجارية لم تتوقف عند حدود ما عُرف بحرب التعرفات الجمركية – لم يُجد، ولم يأت بنتائج أقل كارثية، بل ربما راح يُمهد لانهيار الدولار وطَي صفحته.
بدل أن تَلجأ واشنطن لمُراجعة سياساتها المُتغطرسة، وبدل أن تَتلمس الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها، وبدل أن تُعيد حساباتها وتُقيّم تَحالفاتها، فَتَقف على الواقع الذي يُرتب عليها فعل الكثير بغير اتجاه، تَعود إلى سيرتها الأولى لتُضاعف ربما أزمتها وسلسلة المآزق التي باتت لا تُهددها وحدها، بل تُهدد النظام الدولي وتَضع العالم على حافة هاوية لا مُستقر لها!.
بالأمس القريب كانت الولايات المتحدة كمَركز قيادة لتحالف العدوان تَبحث عن سلالم ومَخارج آمنة تُخرجها من مأزق رعاية الإرهاب التكفيري والاستثمار فيه، وقد أدركت أيّ مَغطس ذلك الذي عَلقت فيه، غيرَ أنّها مع تَراكم الخَيبات والهزائم تُسجل عودة مُباشرة إلى التصعيد في مُحاولة لمُحاكاة السقوف ذاتها التي طلبت المُساعدة للنزول عنها بأقل الأضرار!.
لا يبدو أن الولايات المتحدة بصدد التراجع والانكفاء الطوعي، بل إن كل المُؤشرات تُفيد بخلاف ذلك، بالضِّد منه، ذلك أن سياساتها مع الصين وضدها تَفضح نياتها، وذلك أنّ تَحرشاتها بروسيا وإيران – التي تكاد تكون يوميّة – تَكشف ما تُبَيّته من مُخططات عدوانية تتجاوز مستويات الخصومة التي يمكن تَفهمها، وتُلامس ربما احتمالات لا تَعكس سوى الاندفاع الأحمق للذهاب إلى الاحتكاك الخَشن!.
تَهديد حياة المئات ممن كانوا على مَتن الطائرة المدنية الإيرانية قبل يومين، وأحداث مُشابهة تقعُ يومياً في بحر الصين وعلى تخوم روسيا، ليست عَرضية بل هي تَرجمة لحماقة اعتلاء السقوف المُرتفعة مُجدداً، إذا كان ترامب يَعتبرها ورقة انتخابية، فإنه يَختزل حماقات كل من سبقه، هذا فضلاً عن القول: إنه إذا كانت تَقديرات ترامب – نتنياهو تُفيد بأن الاعتداءات المُتكررة على سورية هي السبيل لمُواصلة إسناد الدواعش وسواهم من المُرتزقة في إدلب ومُحيط التنف، فمن المُتوقع أن يَكتشفا سريعاً أوهامهما. لا نَتحدث هنا عن وهم تَفكيك العلاقة السورية الإيرانية، خاصة بعد تَوقيع الاتفاقية الأمنية العسكرية الشاملة بدمشق. ولن نَتحدث الآن عن حالة الهلع والترقب التي تُسيطر على الكيان الصهيوني من بعد الاعتداء الأخير.. لهذا حديث آخر، عميق وغير قصير.