الثورة أون لاين – زينب العيسى:
عقود مضت والوحشية الأميركيّة لم تمحَ من الأذهان، وكيف تمحى وحشية نووية دمّرت وفتكت ومحت حتى أيّ أثر لجثّة أو حياة، إنها كارثة حقيقة وإبادة جماعية.
والسؤال المشروع: هل هناك نظام عالمي قادر على لجم واشنطن لمنع حدوث جريمة مشابهة لما حصل ل هيروشيما وناغازاكي مستقبلاً؟.
قبل 75 عاماً كانت البشريّة على موعد مع بداية استخدام الأسلحة النووية الفتّاكة غير التقليدية، فكانت الجريمة الأميركية التي ألقيت فيها القنابل النووية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي الجريمة الأشد قسوة ووحشية، تلك الجريمة التي اهتزّ لها الضمير الإنساني ولا تزال مظاهر الرعب والهلع الذي نتج عنها تفوق التصوّر الإنساني حتى اليوم، كما أنّ التاريخ سجّل أنّ الولايات المتحدة كانت أول مجرمة في تاريخ الأسلحة غير التقليدية وهي أول وآخر من استخدم هذا النوع من الأسلحة حتى الآن.
في السادس من آب عام 1945 التقطت في مدينة هيروشيما اليابانية أبشع صور الوحشية التي تفتّق عنها العقل البشري لتدمير الإنسانية، حيث حلقت طائرة من سلاح الجو الأمريكي فوق المدينة حاملة على متنها أفتك ما توصل إليه الشيطان الأميركي من أسلحة الدمار الشامل..قنبلة نووية مخصبة باليورانيوم أُطلق عليها “الطفل الصغير” بقوة تدميرية تساوي 12.500 طن من مادة تي ان تي شديدة الانفجار. وعلى أثرها ذابت جثث أكثر من 70.000 في النار فورا،و 140.000 كانت حصيلة القتلى حتى عام 1945، وآخر إحصائية رسمية لكارثة هيروشيما تتجاوز 242.000 إنسان، وبعد حادثة هيروشيما بثلاثة أيام أسقطت طائرة أميركيّة قنبلة نووية أخرى على مدينة ناغازاكي، ما أسفر عن مقتل ما يقارب من 40,000 شخص، وبعد تلك الحادثتين أعلن الإمبراطور الياباني هيروهيتو استسلام اليابان عن طريق خطاب إذاعي في 15 آب 1945م تحت ضغط ووطأة ماحدث، أما بالنسبة للحجج الأميركيّة للهجوم النووي فلسنوات عدّة احتدم الجدل كثيراً حول ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركيّة من جريمة وحشية بحق المدينتين اليابانيتين، وتحججت واشنطن بأنها تريد إنقاذ حياة الأميركيين باذابة سكان اليابان ..وبكل وقاحة زعمت واشنطن آنذاك أن الهجوم النووي سينقذ العديد من الأرواح الأميركيّة التي كانت ستزهق في الغزوات البرّيّة للجزر الرئيسة في اليابان، وليس هناك شك أنَّ الغزوات البرية كانت ستحدث خسائر فادحة في الجيش الأميركي لعدة أسباب، منها الصمود الياباني وقلّة عدد المواقع الجيّدة لهبوط الجنود الأميركيين على الأراضي اليابانية، إضافة إلى القلق الأميركي من شدّة عزم اليابان على القتال حتى الموت أو الانتحار بدلاً عن الاستسلام.
الجدير بالذكر أنَّ قرار الهجوم النووي قد تمّ اتخاذه بمشورة لجنة المسؤوليّة المشتركة التي استحدثت في أيّار 1945م بصفة مؤقّتة وأخذت على عاتقها إخبار الرئيس ترومان بجميع المسائل المتعلّقة بالطاقة النووية، وركّزت معظم أعمالها على دور القنبلة بعد الحرب، أي إنّه لم يكن قراراً فرديّاً من رئيس الولايات المتحدة آنذاك.
بعد هذه الإبادة الوحشية بالقنبلة النووية خشي العديد من الناجين من أنّ لا شيء سينمو على الأرض المدمّرة، وفي ربيع عام 1946م تفاجأ مواطنو مدينة هيروشيما برؤية المناظر الطبيعية بعد أن كانت المخاوف من أنَّ المدينة المنكوبة قد فقدت خصوبة أراضيها، وهذا ما أعطاهم الأمل بعد الهجوم المأساوي، في حين خشي البعض من أنّ المدينة ستعيش معزولة بسبب آثار الإشعاع، وبعد ذلك تفاجأ العديد من الناس عندما علموا بالآثار الصحية على المدى الطويل التي خلّفتها الهجمات النووية على المدينتين، وبعد ذلك سرعان ما أصيب أولئك الذين نجوا من التفجير الأوّلي والعواصف الناريّة بالتسمم الإشعاعي بأعراض عدّة تتراوح بين الحروق الشديدة، وفقدان الشعر، والغثيان، والنزيف، وما أدّى إلى تأزّم الموقف أنّ 90% من العاملين في المجال الطبي إما قتلوا أو أصابتهم إعاقات دائمة، وأنّ الإمدادات الطبية سرعان ما نفدت، وبعد فترة من الهجوم كان الناجون ما زالوا يعانون زيادة التعرّض للسرطانات وبالأخصّ سرطان الدم وإعتام عدسة العين والمعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يسبّب الإشعاع تأثيراً حادّاً وشبه فوري على الإنسان عن طريق قتل الخلايا وإتلاف الأنسجة مباشرةً، ويمكن أن يكون له تأثيرات تحدث على نطاق أطول، مثل السرطان وسببه حدوث طفرات جينية للخلايا الحية، من بين الآثار طويلة الأجل التي عانى منها الناجون من القنبلة النووية وأكثرها فتكاً هو سرطان الدم، حيث ظهرت الزيادة في عدد مصابي هذا السرطان بعد عامين من الهجوم وبلغت ذروة هذه الأعداد بعد 4-6 سنوات، والأطفال كانوا الأكثر تضرّراً من الهجوم، وتقدّر المؤسسات البحثية تأثيرات الإشعاع بخطر الإصابة بسرطان الدم بنسبة قد تصل إلى 46% من الناجين، أما بالنسبة للأنواع الأخرى من السرطانات لم تظهر زيادة الإصابة إلا بعد 10 سنوات من الهجمات.
الولايات المتحدة الأميركيّة التي جاهرت مراراً وتكراراً بحتميّة منع الأسلحة النووية كانت أول من استخدمها بوحشية مطلقة، فأميركا كانت وما زالت راعية للشرّ في العالم، وتوجه قراراتها الرعناء تجاه دول دون سواها تبعاً لمصالحها وحلفائها، تلك الدولة ذاتها شنّت حرباً همجية على العراق تحت مبرر وادعاء امتلاكه أسلحة تدمير شامل تهدد الأمن والسلام العالميين وهو ما لم يثبت صحته، ولكنها أزهقت مئات الأرواح، وحاليا توجّه شرّها نحو إيران لتمنعها من تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وتخلق أزمة أخرى مع كوريا الديمقراطية بسبب امتلاكها قدرات نووية رادعة، بينما نجد الأمر مختلفاً بالنسبة للكيان الصهيوني الذي ظلّ ومازال خارج إطار الجهود الحثيثة لمنظّمة الطاقة الدولية وبعيداً عن مراقبتها أو تدخّل مجلس الأمن الدولي، وهذا يعني أنّ موازين القوى الدولية هي التي تحدد متى وأين يكمن الخطر.
ففي الوقت الذي تلتزم فيه الدول العربية بالاتفاقية الدولية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتخضع لشروط ومراقبة قاسيّة من الأسرة الدولية ووكالة الطاقة الدولية تظلّ الرؤوس النووية الإسرائيلية، التي تمثّل خطراً على أمن المنطقة والعالم أجمع، خارج نطاق أيّ مراقبة دولية، ليبقى السؤال إلى متى ستزهق أرواح، وتدمّر مدن بأكملها، من أجل مصالح أميركا والكيان الصهيوني، وإلى متى سيبقى مصاص الدماء الأميركي يعيث في الأرض دماراً؟