الثورة أون لاين -عبد الحليم سعود:
نظرياً خطت كل من مصر واليونان خطوة مهمة على طريق تطويق وإجهاض أحلام وأطماع رأس النظام التركي رجب أردوغان في منطقة شرق المتوسط بعد توقيعهما قبل أيام قليلة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين الدولتين، وبذلك تؤكد الدولتان معاً عزمهما على وقف التدخل التركي في الشأن الليبي، ولا سيما أن هذا التدخل يشكل تحدياً سافراً لمصالح ونفوذ البلدين في هذه المنطقة الحيوية جداً من شرق المتوسط.
وتأتي هذه الاتفاقية بين مصر واليونان بعد سنوات من التفاوض والإعداد لها، وهذه الخطوة ستثير التوتر في شرق البحر المتوسط، بين مصر واليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى، بسبب أطماع النظام التركي التوسعية، لاسيما وأن تركيا باشرت فعليا البحث والتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط في تحد سافر لمصالح هذه الدول مجتمعة، وسبق لها أن وقعت مع حكومة السراج الليبية التي تسيطر على غرب ليبيا مذكرتي تفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحري بين البلدين.
كما يأتي هذا الاتفاق عقب أيام قليلة من توقيع أثينا وروما اتفاقاً بشأن الحدود البحرية، والاتفاق على إقامة منطقة اقتصادية حصرية بين البلدين، وبذلك تتعقد مهمة أردوغان كثيراً في هذه المنطقة بسبب ازدياد عدد خصومه ومحاصرته في منطقة لا يملك فيها سوى أطماع قديمة موروثة من غابر السلطنة العثمانية، وقد عبر وزير خارجية اليونان نيكوس دنديناس عن ذلك بالقول إن اتفاق أردوغان مع السراج مكانه سلة المهملات.
يشار إلى أن تركيا لا تعترف بترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص وكذلك بين قبرص واليونان لوجود نزاع بينها وبين اليونان على العديد من الجزر، وخلافات قديمة متجددة لها علاقة باحتلال تركيا لشمال قبرص عام 1974.
وحسب مراقبين، فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يستهدف “محاولة منع تركيا من التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط”، الهاجس الذي جعله يصل بأطماعه إلى الغرب الليبي مخترقاً المثلث البحري المصري القبرصي اليوناني الذي يتقاسم المصالح البحرية في هذه المنطقة.
وقد أعادت مصر ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في منطقة شرق المتوسط، بما ينتقص من حدودها البحرية لصالح الأخيرة، بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بينهما، فيما ترفض تركيا الاتفاقات التي توصلت إليها حكومة قبرص مع دول أخرى تطل على البحر المتوسط بشأن المناطق البحرية الاقتصادية.
ويستمر الخلاف بين قبرص وتركيا منذ سنوات بشأن ملكية وقود أحفوري في شرق البحر المتوسط، إذ تزعم أنقرة أنه يحق لما يسمى القبارصة الأتراك الحصول على حصة من الموارد، وهو ما دفعها في وقت سابق إلى إرسال سفينتي حفر، وسفينة تنقيب إلى المنطقة.
يقول أحد المراقبين للاتفاق: تكمن أهمية الاتفاق بين مصر واليونان في أنه يعطي لمصر حرية ومساحة من الحركة للتنقيب عن الثروات في حدودها البحرية الغربية، ويؤمن حقوق اليونان في مواجهة تركيا بشأن الجزر اليونانية، ويسد الطريق أمام تحركات أنقرة لإثارة التوترات في مثلث ليبيا – اليونان – تركيا، وهو وضع قانوني جديد يسد الباب أمام هذه التحركات التركية”.
كما يؤكد مراقب آخر بأن الاتفاق من الناحية القانونية يعني أن مصر واليونان التزمتا بالاتفاقيات والأحكام الحاكمة لتعيين الحدود البحرية المشتركة وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1902، والتي أوجبت على الدول عدم القيام بأي أعمال كالبحث عن الثروات وغيرها من أنشطة إلا بعد التوافق وفق قواعد العدل والإنصاف مع الدول المتقابلة معها أو المتلاصقة معها في الحدود البحرية.
نظرياً يشكل الاتفاق ضربة قاصمة لأطماع أردوغان في شرق المتوسط وفي ليبيا حصراً ومن المتوقع أن تكون له تداعيات سياسية وعسكرية قد تفوق تداعياته الاقتصادية، لأن من شأن تعاون الدول الأربعة مصر اليونان قبرص والحكومة الليبية الشرعية في بنغازي أن يشكل مانعا أو حائطا طبيعيا أمام تركيا لتنفيذ أجنداتها الاستعمارية في شمال أفريقيا، وأن يضيق الخناق على حكومة السراج التي ترتبط عقائديا بالنظام التركي من الزاوية الاخوانية