تجفيف العنب والتين وصناعة قمر الدين تراث غذائي

الثورة – سهى درويش:

تُعرف سوريا منذ القدم بخصوبة أراضيها وتنوع محاصيلها الزراعية، وارتباط الريف السوري بالكثير من الصناعات التقليدية، التي اعتمدت على إنتاج الفواكه وتجفيفها أو تحويلها إلى منتجات غذائية تُخزّن لفصل الشتاء.

ولعل من أبرز الصناعات الزراعية تجفيف العنب والتين وصناعة القمر الدين، التي مازالت حاضرة في الأسواق والبيوت السورية حتى يومنا.

للوقوف عند أهمية هذه الصناعات الزراعية وقيمتها الغذائية والاقتصادية التقت الثورة المتخصص بعلوم الأغذية في كلية الزراعة بجامعة اللاذقية الأستاذ الدكتور رامز محمد، الذي أوضح أهمية المجففات كمصدر رئيس للعناصر الغذائية، وأهمها الألياف الغذائية التي تزوّد الجسم بالطاقة (الكربوهيدرات)، ومصدر لمضادات الأكسدة الطبيعية، ولبعض المعادن الضرورية للجسم وهي الحديد والنحاس والبوتاسيوم.

من الكرم إلى الزبيب

تشتهر العديد من المناطق السورية بكروم العنب التي تُنتج أصنافاً عالية الجودة، ويُعتبر تجفيف العنب إلى زبيب من أقدم الطرق لتخزينه، وهذا المنتج لا يقتصر على كونه غذاءً منزلياً، بل يدخل في صناعة الحلويات والأطباق الشعبية.
أما عن فوائد الزبيب “العنب المجفف” الصحية، فقد أشار الدكتور محمد إلى أنه مصدر طاقة سريع، غني بالحديد والنحاس، ومفيد للدم.

كما يعتبر من مضادات الأكسدة ومفيد لصحة القلب، وينظّم الضغط، كما يحسن صحة الفم، وأشهر مناطق الإنتاج في درعا والغوطة وحلب والسويداء.

أما عن المردود الاقتصادي فإن كل 3,5 إلى 4,5 كغ عنب يعطي 1كغ زبيب، وكل 100غ زبيب تحتوي على 299 سعرة حرارية كربوهيدرات، ألياف وبروتين وبوتاسيوم.

وعن خطوات التصنيع أوضح د. محمد أنه يتم فرز وغسل العنب، من ثم يغمس في محلول قلوي مضاف إليه الزيت أو تبخير بالكبريت، ومن ثم تجفيفه بالشمس وتقليبه، وبعد أن يتحول إلى زبيب تتم تعبئته.

التين فاكهة الصيف وحلاوة الشتاء

أما التين السوري، الذي تنتشر زراعته في اللاذقية، وإدلب، ومصياف، والسويداء، وفق ما أوضح د. محمد، فإن مردوده الاقتصادي جيّد، فكل3 إلى 4 كغ تين طازج تعطي كيلوغراماً مجففاً، إذ يُجفف بعد الفرز والغسل من خلال مدّه على بسطٍ تحت أشعة الشمس، وتقليب يومي حتى الجفاف والتعبئة.

التين المجفف يعرف بقيمته الغذائية الغنية بالكربوهيدرات والألياف والبروتين والبوتاسيوم، حسب د. محمد، ما جعله طعاماً أساسياً في البيوت الريفية، ومصدراً مهماً للدخل الريفي عبر تسويقه في الأسواق المحلية.

القمر الدين.. صناعة رمضانية بامتياز

قمر الدين المعروف سورياً، و عالمياً بجودته، يُصنع من ثمار المشمش الطازج، و يُعدّ جزءاً من الثقافة الغذائية الرمضانية، حيث يُستهلك كمشروب أو يُستخدم في صناعة الحلويات.

يبين د. محمد فوائده الصحية، أنه غني بفيتامين A المهم للبصر والجلد، كما يعد مصدراً للبوتاسيوم المهم لصحة القلب، إضافة لاحتوائه على الألياف المهمة للهضم وتزويد الجسم بالطاقة العالية، كما أنه غني بمضادات الأكسدة. وأشهر مناطق زراعته في الغوطة الدمشقية والسويداء ،وكل 4 إلى 5كغ مشمش تعطي كيلو غراماً واحداً قمر الدين، ويتم تصنيعه من خلال غسله ونزع النوى منه وتبخيره بالكبريت وهرسه، و يفرد الخليط على ألواح مدهونة بالزيت وتجفف بالشمس ومن ثم يتم لفّه وتعبئته.

تحديات واستمرارية

رغم الأهمية التراثية والاقتصادية لهذه الصناعات، تواجه اليوم تحديات كبيرة مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج، نقص اليد العاملة، وتراجع المساحات الزراعية. إلا أنّ استمرارها يعكس تمسك السوريين بتراثهم الغذائي وقدرتهم على تحويل المحاصيل إلى منتجات ذات قيمة مضافة، ما يساهم في دعم الاقتصاد المنزلي ويمنح الأسواق المحلية نكهة مميزة من الماضي.

وبالنسبة للساحل السوري، فقد لفت الدكتور محمد إلى تنوع أصناف العنب والتين التي فيها مادة جافة عالية، إضافة إلى غناها بالألياف وبنسبة رطوبة أقل، وهناك توجه نحو الصناعات الطبيعية نظراً لأهميتها كزيت بذور العنب الذي يستخدم لتخفيض الضغط والروماتيزم وتخفيض الكولسترول(LDL).

وختم د. محمد: إن العنب يزرع في سوريا بشكل تقليدي، ونحن بحاجه لزراعته بشكل عمودي لاستثمار المساحات بشكل واسع لتكون كميات الإنتاج كبيرة، وهو من أكثر المجففات نفعاً وعائدية اقتصادية، وهناك توعية بالابتعاد عن السكريات والتوجه نحو الطبيعة لحياة صحيّة.

وأخيراً.. لاتزال حرفة تجفيف العنب والتين وصناعة قمر الدين حاضرة في مناطق زراعتها، وشاهداً على قدرة السوريين على التمسك بتراثهم الزراعي والغذائي.

فهي ليست مجرد منتجات غذائية ومورد دخل مادي، بل ذاكرة تختزن في طعمها رائحة الأرض وذكريات الأرياف، ومن الضروري دعم هذه الصناعات الريفية، ليس فقط للحفاظ على تقليد قديم، بل لتعزيز الاقتصاد المحلي، وتأمين فرص عمل، واستثمار مساحات الأراضي القابلة للزراعة لتشجيع المزارعين للعمل، والأهم ضمان استمرار نكهة سوريا الأصيلة التي عرفت بها الأسواق منذ مئات السنين، ولاتزال حاضرة على الموائد محلياً وعالمياً.

آخر الأخبار
لا تعديل على الخبز التمويني .. ومدير المخابز يوضح لـ"الثورة" رغم وقف إطلاق النار.. غزة بين الحياة والموت التشبيح المخملي الذي جَمَّل براميل الأسد .. حين صار الفن أداة قتل الأمم المتحدة: إعادة بناء سوريا أمر حيوي لتحقيق الاستقرار  إعلان تلفزيوني يشعل الحرب التجارية بين ترامب وكندا مجددا  تحسين بيئة الأعمال شرط لتعزيز التنافسية  الاقتصاد السوري مبشّر ومغرٍ وعوامل نهضته بخطواتها الأولى  درع وزارة الرياضة والشباب.. بطولة جديدة تكشف واقع السلة السورية كأس الدرع السلوية.. الأهلي يُلحق الخسارة الأولى بالنواعير جامعة الفرات تناقش مشروع قانون الخدمة المدنية  بعد سنوات من الغصب والتزوير.. معالجة ملف الاستيلاء على العقارات المنهوبة حزمة مشاريع استراتيجية في "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض  رامي مخلوف.. من المال والاقتصاد إلى القتل والإجرام   بعد تضاعف صادراتنا.. مطالبات بتحديث أجهزة الفحص وتوحيد الرسوم توقيع اتفاق سلام كمبودي - تايلاندي لإنهاء نزاع حدودي التأمينات الاجتماعية تسعى لرفع الوعي التأميني لتحقيق أفضل الخدمات جدل حاد في "إسرائيل" حول مشروع قانون لإنقاذ نتنياهو دمشق ترسم معالم حضورها الدولي بثقة وثبات المشاركة السورية بـ"مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض".. خطوة محورية بمعركة الدبلوماسية والاقتصاد زيارة الشرع إلى الرياض.. ترسيخ سوريا الجديدة واستعادة دورها إقليمياً