الثورة – منذر عيد:
تشهد الساحة الإقليمية تسارعاً لافتاً في الخطوات الاقتصادية والاستثمارية بين سوريا ودول المحيط العربي، في مشهد يعبِّر عن تحولات عميقة تتجاوز حدود المصالح التجارية الضيقة، إلى آفاق أرحب من إعادة بناء الجسور السياسية وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة.
هذه الخطوات تمثل علامة فارقة في إعادة رسم ملامح العلاقات الإقليمية، إذ تؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها الاقتصاد مدخلاً رئيساً لمد جسور الثقة وترسيخ التكامل بين الشعوب، والاستقرار السياسي، فهي ليست مجرد عقود استثمار أو اتفاقيات تعاون، بل خارطة طريق تعيد تموضع سوريا في قلب محيطها، كعنصر فاعل في صياغة مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للمنطقة بأسرها.
من أبرز ملامح هذا التحول، المشاريع السعودية في الداخل السوري، التي شملت قطاعات إنسانية حيوية مثل الصحة، والغذاء، والدعم المجتمعي، والمياه والبيئة، والتعليم، والإيواء بما يسهم في دعم جهود التعافي المبكر وتخفيف معاناة المتضررين، واستعادة الأمن الغذائي والخدمات الأساسية، ويعكس تقدير الرياض للعلاقات التاريخية مع دمشق، ورغبتها في دعم الشعب السوري في مرحلة إعادة البناء، ورغبتها في تعزيز دورها كفاعل رئيسي في القضايا الإنسانية والإقليمية والدولية.
إن تلك المشاريع ليست استثمارات اقتصادية فحسب، بل تحمل في طياتها أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة، إذ تعد مدخلاً لتعزيز الاستقرار الداخلي عبر تحسين الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية، كما أنها تفتح المجال أمام عودة سوريا تدريجياً إلى عمقها العربي، وتمنحها شراكة متجددة في صناعة القرار الإقليمي، فضلاً عن ذلك، فهي تعزز روح التكامل والتضامن بين الشعوب، لتتحول التنمية إلى لغة مشتركة تعبّر عن وحدة المصير.
إن تسارع الخطوات الاقتصادية والاستثمارية بين سوريا ومحيطها العربي، يبرهن على أن الاقتصاد يمكن أن يكون أداة بناء للسلام والاستقرار، وأن إعادة دمج سوريا في محيطها هو مصلحة مشتركة لجميع الأطراف.
بهذا المعنى، تشكل المشاريع السعودية، بما تحمله من تنوع جغرافي وقطاعي، نقطة انطلاق حقيقية نحو مرحلة جديدة من التنمية الشاملة، ترسخ موقع سوريا كعنصر مهم في صياغة مستقبل المنطقة، على أسس من التعاون، والازدهار المشترك، والاستقرار طويل الأمد.
من نافلة القول أن العلاقات الاقتصادية بين سوريا والدول العربية تعد مجالاً واعداَ يتطلب مزيداً من الاهتمام والتنسيق، إذ إن الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب التعاون الفعال في مجالات متعددة، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الروابط بين الدول وتحقيق التنمية المستدامة بما يخدم مصالح شعوبها، ومع ذلك، فإن التحديات القائمة تتطلب استراتيجيات مدروسة وتعاوناً وثيقاً لتجاوز العقبات وتحقيق الأهداف المشتركة، الأمر الذي يؤكد أن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين سوريا ومحيطها العربي يعتمد على الإرادة السياسية والرؤية المشتركة للتنمية والاستقرار في المنطقة.