الثورة – جاك وهبه:
في ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها سورية، تتجه الأنظار إلى كل قرار اقتصادي جديد باعتباره مؤشراً على ملامح المرحلة المقبلة وسياسات الانفتاح التجاري التي تتبناها الحكومة. ومع صدور قرار وزارة الاقتصاد والصناعة الأخير حول استيراد الأحذية والملابس الجلدية، عاد الجدل من جديد بين الصناعيين والمستوردين حول معادلة التوازن بين حماية المنتج المحلي وضمان انفتاح السوق أمام المستهلك، فالقرار لم يمرّ بصمت، بل أثار ردود فعل واسعة، كان أبرزها ما جاء في تصريح رئيس المجلس المحلي للمدينة الصناعية في عدرا الصناعية محمد بشار الحلاق، الذي أوضح أبعاد القرار ورسم ملامح الرؤية الاقتصادية التي ينبغي أن تسير عليها البلاد.
سوق تنافسي
الحلاق بين في تصريح خاص لصحيفة الثورة، أن السياسة الاقتصادية للحكومة السورية الجديدة كانت واضحة منذ البداية، مبيناً أنها اعتمدت نهج السوق التنافسي الحر المفتوح بعد عقود من الانغلاق، وهو ما أدى في الماضي إلى تراجع القدرة التنافسية للمنتجات السورية وحرمان السوق المحلي من المنتجات الأجنبية في مختلف المجالات.
ونوّه الحلاق بأن القرار الأخير يعزز هذا النهج الاقتصادي، ويعلن بشكل واضح أن لا مجال للعودة إلى سياسة المنع والإغلاق، وأوضح أن القرار جاء استجابةً لمطالب متكررة من مصنّعي الأحذية، خصوصاً في حلب، بهدف حماية المنتج المحلي وإنقاذ آلاف الورش من الإغلاق وحماية مئات آلاف العمال وعائلاتهم من البطالة والظروف الاقتصادية القاسية.
توازن نسبي
وبيّن أن الحكومة حاولت من خلال هذا القرار إيجاد توازن نسبي بين حماية المنتج المحلي وأصحاب الورش، وبين الإبقاء على باب الاستيراد مفتوحاً، وذلك عبر تطبيق قوانين حماية محدودة وضبط منشأ البضائع المستوردة وجودتها ومواصفاتها. وشدّد الحلاق على أن القرار لم يرتقِ إلى مستوى طموحات الصناعيين بشكل كامل، ولم يبدّد جميع مخاوفهم، لكنه في الوقت ذاته حافظ على تلبية حاجة المستهلك السوري بإبقاء السوق مفتوحاً لمختلف المواد التي حُرم منها لسنوات، وأضاف أن هذا التوجه يحول دون احتكار بعض الصناعيين للأسواق وطرح منتجات ضعيفة الجودة بأسعار لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن.
كلف الإنتاج
وأشار إلى أن الحل لا يكمن في الإغلاق، بل في تعزيز السوق المفتوح الذي يرفع القدرة التنافسية ويدفع المنتج المحلي لتحسين جودته ومواصفاته لمجاراة المستورد، وتساءل: “إذا كان إغلاق باب الاستيراد يحمي المنتج في الداخل، فمن سيحميه في الخارج إذا لم تكن المنتجات منافسة بالجودة والسعر؟”. ونوّه الحلاق بأن دخول عشرات المستثمرين الأجانب بمعامل ضخمة تفوق مساحتها أحياناً 30 دونماً، وهدفهم تلبية السوق الداخلية والتصدير إلى الخارج، يجعل من المنافسة أمراً محتوماً لا مفر منه.وأكد أن المطلوب اليوم ليس المنع أو الإغلاق، بل دعم الصناعة الوطنية عبر تخفيض كلف الإنتاج من كهرباء ومحروقات وضرائب ورسوم، ومنح إعفاءات جمركية للمواد الأولية وخطوط الإنتاج، كما شدّد على أهمية ضبط جودة المنتج المحلي ليستعيد شعار “صُنع في سورية” مكانته الحقيقية، إضافة إلى دعم الصادرات وفتح أسواق جديدة أمامها.
وختم الحلاق بالتأكيد على أن المسؤولية في هذه المرحلة تقع على عاتق الجميع، حكومة وشعباً، صناعيين وصانعي قرار، موضحاً أن السوريين اليوم شركاء في بناء الوطن وازدهاره ونموه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من القاعدة حتى القمة.
وكان قد أصدر وزير الاقتصاد والصناعة قراراً استناداً إلى المرسوم الرئاسي رقم /9/ تاريخ 29 آذار 2025، يقضي باستمرار السماح باستيراد الأحذية بكل أنواعها والملابس الجلدية، شريطة أن تكون كل قطعة ممهورة بختم نافر من الداخل والخارج يحتوي بلد المنشأ واسم الشركة المصنعة. كما نص القرار على فرض رسوم حمائية على الأحذية الجلدية الجاهزة وأوجه الأحذية اعتباراً من 1 أيلول 2025، وتكليف الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتحقق من مطابقة البضائع المستوردة والمحلية للمواصفات القياسية السورية، والتأكد من تنفيذ هذه الضوابط اعتباراً من 1 تشرين الأول 2025.