الثورة – رويدة سليمان:
غابت الزغاريد والتهاني، وفرحة النجاح، وضجته وضجيجه عن بيت آلاء على الرغم من نجاحها، ولكن بمجموع علامات لم يرق لأسرتها، وخيب ظنهم وثقتهم بها، فلم يكن كما يريدون ويرغبون، ومن دون سقف طموحاتهم في مجموع يتيح لها التخصص في الطب، رداً على تنافس أقربائهم وجيرانهم وأصدقائهم..
وأما أحلام فالوضع كان أشد قهراً بسبب رسوبها، إذ انهالت عليها من الأسرة أسهم اللوم، والعتب، والاستهزاء، والسخرية، والمقارنة، وسياط التهديد والوعيد تلسعها من دون مراعاة لمشاعرها مع تهرب الوالدين من المسؤولية.
منذ أيام صدرت نتائج الثانوية، بعد ترقب، وانتظار، وتوتر، وقلق، وخوف من مجموع علامات يتقرر فيه مصير الطالب، ومن شأنه أن يدمر حياته، فكيف حال الطالب والأسرة إذا كان الرسوب هو حصيلة جهد وتعب أكثر من سنة، إذ يبدأ أغلبية الطلاب بالتحضير للبكالوريا باكراً ومن الصف الثاني الثانوي.
قليل من الثقافة التربوية
مازالت كثير من الأسر تعاني من الجهل التربوي فيما يخص أساليب التعامل والتواصل الصحي والصحيح مع الأبناء طلاب الشهادات عند الرسوب، أو عدم تحصيل المجموع المتوقع من الآباء قبل الأبناء، مما يلحق بالأبناء الكثير من التشوهات النفسية التي تمتد تداعياتها السلبية لتطال مستقبلهم.
الاختصاصية النفسية الدكتورة صفاء جنبلاط زودتنا بحزمة من الإرشادات والتوجيهات لانتشال أبنائنا من يأس، أو إحباط، بدعم ووعي الأسرة وتحملها جزءاً من المسوؤلية من دون رمي هذا الفشل للقدر والحظ.. وتقول: يخطىء كثير من الآباء عندما يضعون أبناءهم تحت ضغط نفسي، ويلاحقونهم بدورات تعليمية، ومتابعة، وعناية مشددة، مع ضغط التوقعات العالية للمجموع وطموح فشلوا دون تحقيقه، إذ تنصب على الأبناء من دون أن يدركوا امتلاكهم الإمكانيات اللازمة لذلك، إذ تعتبر القدرات العقلية الحجر الأساسي للتحصيل الدراسي، ومن ثم المثابرة، وهنا يجب على الآباء عدم التمييز والمقارنة بين أبنائهم وبينهم وبين الآخرين لأن كلاً منهم يمتلك قدرات عقلية مختلفة عن الآخر.
التفهم والاحتواء لا التشفي
ضغوطات عديدة ومتنوعة، مجتمعية وأسرية، يتعرض لها الطالب، ومن قبل أن تبدأ السنة الدراسية تتناول الطالب بالوعظ، والحكم، والنصائح، ولا تتعب الأسرة من موال “ادرس.. ادرس” مع استنفار أسري يخلق توتراً وقلقاً يؤثر على استيعاب الطالب وتركيزه، وربما قلق امتحاني ينعكس على ورقة الأسئلة.
وتلفت الاختصاصية النفسية انتباه الآباء على ضرورة مراعاة خصائص المرحلة العمرية لطالب الشهادة الثانوية، إذ يبحث عن الذات وتكوين الهوية، وغالباً ما يعاني من عدم الاستقرار، إضافة إلى أهدافه المتذبذبة، وبالتالي فإن أمام الأهل تحدياً كبيراً لكسب الرهان وجذب أبنائهم، وهذا لا يكون إلا بالحب والتوعية من خلال حوار أفقي شفاف، ولغة ودية بعيدة عن خطاب الوعظ والإرشاد والتهديد والوعيد.
ونوهت بأنه أمام حدث الرسوب يتوجب على الآباء امتصاص الصدمة وتقبل هذه التجربة الحياتية والاستفادة منها، لا اجترار الماضي وإلقاء المسؤولية كاملة على الطالب حتى لو أخطأ في تسويف أو تسويغ، أو تطنيش وإهمال، والعلاج الأجدى ليس بالتشفي، بل الاحتواء والتفهم والبدء بخطة جديدة وانطلاقة قوية بحب غير مشروط واختزال شخصية الطالب بمقدار مجموعه والفرع الجامعي الذي يحق له دراسته.
وبناء على حالات كثيرة تطلب المساعدة من اختصاصيي العلاج النفسي لتجاوز حالة اكتئاب، أو إحباط ويأس سببه رضوخها لرغبة الآباء في دراستها الجامعية، تؤكد د.جنبلاط أهمية تزويد الأبناء بالوعي بإمكانياتهم واستعدادهم لتقديم الدعم المادي والمعنوي دون التدخل بخياراتهم ورغباتهم ولا يجوز أن يكون تقييم المجتمع عندهم أهم من مشاعر وطموح وحلم أبنائهم. فمن أكثر الأشياء التي تدعو إلى البهجة والسعادة هو النجاح والطريق إليه ليس مستحيلاً، مهما كانت المسافات بعيدة، فمن سار على درب المثابرة والثقة بالنفس وصل، ولكل مجتهد نصيب.