الثورة – سمر حمامة:
مع حلول أيلول، يحمل الخريف معه عادةً نسيمه العليل واعتداله الجميل، ويدخل البيوت بفرحة العودة إلى المدارس ومواسم المؤونة الشتوية.غير أنّ هذه الصورة التي كانت يوماً ما تحمل نكهة الدفء والألفة، باتت اليوم تتوارى خلف ستارٍ كثيف من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالأسر، فما بين لوازم مدرسية تثقل الجيوب، ومحروقات يُخطط لشرائها استعداداً لشتاء قاسٍ، ومؤونة منزلية تكاد تصبح حلماً بعيد المنال، يجد المواطن نفسه عالقاً في دوامة الغلاء التي لا ترحم.
أيلول الذي تغيّر وجهه
كان أيلول فيما مضى شهراً تنتظره الأسر بشغف، شهر بداية جديدة للدراسة، ورائحة دفاتر وكتب جديدة تعبق بالبيوت، ومائدة شتوية تُعدّ بمحبة عبر المؤونة، بدءاً من مؤونة قمح، وزيتون، ومربيات، أمّا اليوم، فغدا هذا الشهر ثقيلاً على القلوب، إذ لم يعد الهواء المنعش وحده قادراً على التخفيف من حرارة الأسعار المشتعلة.
أم أحمد (ربة منزل) تتحدث بحزن: كان أيلول يعني لنا فرحة، نجهز لأولادنا الحقائب والدفاتر بفرح، ونبدأ بتخزين المؤونة ونحن سعداء، لكن الآن، بات همّ شراء دفتر واحد يرهقني، فأنا بحاجة لخمس حقائب ومستلزمات كاملة، والأسعار تضاعفت بشكل لا يصدق، كيف يمكن لأم مثلي أن تؤمن كل هذه الحاجات وراتبي وزوجي لا يكاد يكفي للطعام؟
فراس العلي (موظف حكومي): تخصم نصف الرواتب تقريباً قبل أن يبدأ الشهر بسبب المدارس، الزي المدرسي والقرطاسية وحدها تلتهم معظم الدخل، هذا عدا عن أننا مقبلون على الشتاء وما يحتاجه من محروقات، أحياناً أشعر أنّ راتبي مجرد ورق لا قيمة له أمام سيل الالتزامات.
ليلى (طالبة جامعية): أشاهد والديّ وهما يحسبان المصاريف ويقلقان، حتى نحن كطلاب جامعات صرنا نبحث عن أقل ما يمكن من الكتب المستعملة ونقتصر على الضروري فقط، لم يعد أيلول بداية جديدة بقدر ما أصبح بداية قلق كبير.
علا خليل (مربية في مدرسة خاصة): أنا أعمل في مدرسة وأرى وجوه الأطفال المليئة بالفرح للعودة، لكنني أقرأ في عيون الأهل قلقاً كبيراً، الكثير من الأهالي يسألون عن إمكان تقسيط الأقساط أو تأجيل شراء بعض المستلزمات، الوضع لم يعد طبيعياً، حتى فرحة المدرسة باتت مشوبة بالقلق.
المؤونة غابت عن موائد كثيرة
لم تعد المؤونة المنزلية حاضرة كما كانت، فالمواسم الزراعية وأثمان المواد الغذائية ارتفعت بشكل يرهق ميزانية أي أسرة، الزيتون، البندورة، الفليفلة، والمربيات التي كانت تعدّ بكميات كبيرة، تقلصت اليوم إلى كميات رمزية أو غابت كلياً.
تقول أم أحمد: “كنت أملأ بيتنا بمؤونة الشتاء، من دبس البندورة إلى المخللات، أما اليوم فاكتفيت بكمية صغيرة لا تكفي شهراً واحداً، كل شيء بات يُحسب بالقطارة.”وكأن المدارس والمؤونة لا تكفي، يأتي همّ المحروقات ليضيف عبئاً آخر على الأسر. الاستعداد للبرد القارس يحتاج لتأمين مازوت أو حطب أو حتى كهرباء بديلة، وكلها أثمانها باهظة، يوضح أبو يوسف: “المازوت أصبح كالذهب، ومن لا يملك وسيلة بديلة سيعاني كثيراً، أحياناً نضطر لتقنين التدفئة لأقصى حد حفاظاً على ما نملك”.
مؤشر لقياس الضغوط
تقول المرشدة النفسية إيناس سعيد: “أيلول بات مؤشراً حقيقياً لقياس الضغوط المعيشية على الأسر، تراكم الاستحقاقات في وقت واحد: مدارس، مؤونة، محروقات، يجعل الشهر ثقيلاً نفسياً ومادياً، المطلوب اليوم سياسات تخفف العبء، كتوفير دعم مباشر للقرطاسية أو تسهيلات للوقود، إضافة لتشجيع المبادرات المجتمعية لمساعدة الأسر الأكثر ضعفاً، وإلا فإننا سنشهد انعكاسات اجتماعية خطيرة تتمثل في تراجع التعليم، وازدياد التوتر الأسري.
أيلول الذي كان يوماً شهر الانتعاش والخيرات، تحوّل اليوم إلى شهر التحديات والضغوط، ورغم أنّ الأسر السورية لاتزال تتمسك بالأمل، إلا أن معركتها اليومية مع غلاء المعيشة تستنزفها، بين حقائب مدرسية تنتظر أن تُملأ، ومؤونة غابت من الأواني، وشتاء يلوح ببرودته القاسية.
يبقى السؤال مطروحاً: هل يأتي يوم يعود فيه أيلول كما كان، شهر فرح لا شهر هموم؟