الثورة – منهل إبراهيم:
في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السورية بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء نحو إنهاء الحروب في المنطقة وتجنب الصراعات والنزاعات، يستمر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخططه التي تستبيح التوغل في الأراضي السورية، وتسعر الحرب جوعاً وقصفاً في قطاع غزة، مع أن عوامل خسارته للحرب تلوح في الأفق بحسب مجريات الأحداث هناك.
الصحفي البريطاني ديفيد هيرست والكثير من الكتاب الغربيين أكدوا في أكثر من مناسبة وعلى متن العديد من صفحات الإعلام الغربي، أن “إسرائيل” ستفشل في سوريا، وستخسر لا محالة الحرب في غزة، وما تم الإقرار به من انعدام جدوى الحملة العسكرية ضد القطاع دليل على ذلك.
سوريا اليوم، في قلب كل ما يحدث في المنطقة والعالم، وهي تواجه مشاريع الهيمنة الإسرائيلية والتقسيم التي تستهدف إضعافها كدولة جديدة واحدة موحدة، ونحن على مقربة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي من المنتظر أن تواجه “إسرائيل” على منابرها الكثير من الضغوط الدبلوماسية لكبح انتهاكاتها وتوغلاتها في سوريا، أضف إلى ذلك ضغوط الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع عاملين واضحين ومهمين سوف يقودان الفلسطينيين إلى دولتهم الخاصة بهم، وهما تصميم الفلسطينيين على البقاء والتشبث بأراضيهم حتى الموت، والرأي العام في الغرب، والذي يتحول سريعاً ضد إسرائيل.
العالم هذه الأثناء بات يتغير ويتحرك بديناميكية المصلحة، وها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد توقف عن التغزل بتل أبيب، وأنهى عقدين من العقوبات على سوريا، قاطعاً بذلك اثنين من الطرق الأساسية التي تنتهجها إسرائيل للهيمنة على المنطقة، وهما محاولة تقسيم سوريا، وإشعال حروب واسعة في المنطقة، ويضغط على نتنياهو لوقف الحرب المدمرة على قطاع غزة، ولم يجعل الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران تتوسع لحرب أوسع وأشمل.
لاشك أن مهمة نتنياهو في سوريا وغزة باتت واضحة تماماً، في الأولى اللعب على أوتار التقسيم والانفصالية، وفي الثانية ممارسة التجويع والقصف حتى يتسنى له إخراج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة من القطاع، بل بلغ جلاء ذلك حدا لم يعد باستطاعة ما يسمى المجتمع الدولي تجاهله.
والجميع يذكر أنه في مقابلة أجريت معه يوم 29 تشرين الأول 2023، بعد مضي بضعة أسابيع على اندلاع الحرب على غزة، قال غيورا إيلاند، وهو جنرال إسرائيلي احتياط متقاعد: إنه يجب على إسرائيل عدم السماح بدخول المساعدات إلى المنطقة، وأضاف: “سوف يكون خطأ جسيماً السماح باستمرار دخول المساعدات إلى غزة، والتي ينبغي أن تدمر عن بكرة أبيها”.
ولكن لم يحدث شيء من ذلك، ومع ذلك أصبح ما صرَّح به الجنرال إيلاند يعرف باسم “خطة الجنرالات”، والتي طبقت بادئ ذي بدء في شمال غزة، حيث بقي هناك ما يقرب من 400 ألف فلسطيني، فشلت خطة تفريغ شمال غزة، وذلك حينما تدفق مئات الآلاف من الناس عائدين إلى بيوتهم خلال فترة وقف إطلاق النار، وذلك على الرغم من أنه لم يبق لهم شيء يعودون إليه.
إلا أن التجويع والإخلاء تم استخدامها من جديد في العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل، والتي أطلقوا عليها اسم “عربات جدعون”، وتقتضي الخطة، فيما أطلق عليه نتنياهو مراراً وتكراراً “المرحلة الأخيرة” من الحرب، بإجبار ما يزيد عن مليوني فلسطيني على التوجه نحو “منطقة عقيمة” حول رفح، وسوف يسمح للفلسطينيين بالدخول فقط بعد أن يخضعوا للفحص والتدقيق من قبل قوات الأمن، وسيكون ذلك بمثابة تذكرة سفر في اتجاه واحد، ولن يكونوا بتاتاً قادرين على العودة إلى منازلهم، والتي سوف يتم هدمها بشكل كامل”.
ومع فشل كل ذلك، لجأ الاحتلال لحرب التجويع والقتل على طوابير المساعدات الإنسانية التي تحولت إلى مصائد للموت، وهي بالتأكيد فشل آخر أخلاقي يضاف إلى فشل الاحتلال العسكري في غزة.
إن فشل الاحتلال الإسرائيلي في غزة، سينعكس فشلاً ذريعاً في ساحات الصراع الأخرى التي يحاول الاحتلال فرضها في دول عدة في المنطقة، ومنها سوريا.
فالجهود الكبيرة التي تبذلها القيادة السورية حفرت عميقاً في المشهد العالمي والعربي الذي أدان ووقف في وجه التدخلات والانتهاكات الإسرائيلية، وبات لسوريا الجديدة حضور قوي وإيجابي لاقى ترحيباً منقطع النظير، وهذا الوضع ليس قابلاً للتوقف عند نقطة معينة بل التطور والتقدم نحو الأمام، هدف ديناميكي للحكومة السورية متغير نحو المسار الإيجابي، وكل السوريين مطالبون بدعم هذا المسار في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والمنطقة.
القيادة السورية تعمل بحكمة، وستفشل من خلالها بالتعاون مع محيطها العربي والدولي، جميع الأهداف التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تحقيقها على حساب الشعب السوري.