الثورة أونلاين – ترجمة ختام أحمد:
قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بزيارة خاطفة إلى أوروبا منتصف شهر تموز الماضي، وزار لندن وكوبنهاغن، حيث قام بتحريض وتأجيج الخصومات المعادية ضد الصين وروسيا باستخدام خطاب الحرب الباردة الذي عفا عليه الزمن، وذهب إلى الدنمارك بهدف عرقلة خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي شجبه بومبيو الأسبوع الماضي باعتباره تهديدًا روسيًا لأوروبا والولايات المتحدة. من الواضح أن واشنطن تحاول تقسيم العالم إلى “نحن وهم” بهذه السياسة الاستقطابية. لكن هذه السياسة الأميركية غير المجزية ستفشل لأنها لا تتوافق مع توازن القوى العالمية اليوم، حيث “لم تعد أميركا القوة الوحيدة في العالم لتفرض سياستها بالقوة على من تشاء”.
ثم عاد بومبيو إلى كاليفورنيا وألقى “خطاباً سياسياً كبيراً”، حث “العالم الحر” على الوقوف في وجه الصين. ولم يظهر العداء تجاه روسيا بشكل صريح ؟!. كان الخطاب العدائي من الدبلوماسي الأميركي إلى إدانة “الشيوعية” و “الاستبداد” مسعوراً مشوهاً كرحلته الخاطفة إلى أوروبا. وتوج الأسبوع بخطاب ألقاه في مكتبة ومتحف ريتشارد نيكسون في كاليفورنيا.
في هذا العنوان، أعلن بومبيو: “تأمين حرياتنا من الحزب الشيوعي الصيني هو مهمة عصرنا”، ودعا إلى “تحالف الديمقراطيات” من أجل “الانتصار على هذا الطغيان الجديد”.
لم يذكر بومبيو روسيا في ذلك الخطاب، لكنه قام في مناسبات عديدة أخرى بمواجهة موسكو مع بكين على أنها عدو متصور لـ “العالم الحر” – أي النظام الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. واشنطن تنظر إلى روسيا بنفس العداء مثل الصين وتكثف هجومها الإيديولوجي ضدهما، فعقلية الحرب الباردة التي أعيد إحياؤها هي نظرة سائدة للمؤسسة الأميركية وهي من الحزبين. سواء تم إعادة انتخاب ترامب أم منافسه الديمقراطي جو بايدن، ويمكن للمرء أن يتوقع استمرار أجندة الخصومة نفسها. كانت أهمية زيارة بومبيو إلى أوروبا مضاعفة فقد تزامن وصوله إلى لندن مع إعلان الحكومة البريطانية عن إجراءات جديدة ضد الصين بشأن هونغ كونغ. جاء ذلك في أعقاب القرار الدراماتيكي الذي اتخذته لندن الأسبوع الماضي بإلغاء صفقات الشراكة مع شركة الاتصالات الصينية هواوي. كان الأمر كما لو أن بومبيو سافر لتدعيم العزم البريطاني على الانضمام إلى سياسة واشنطن المعادية للصين. كما كانت فرصة لنشر هذه السياسة إلى بقية أوروبا، فقد خدعت واشنطن مؤخرًا الدنمارك من خلال اتهام الصين وروسيا بالنوايا العدوانية في منطقة القطب الشمالي، حيث وافقت الدنمارك مؤخرًا على قيام روسيا بإكمال القسم الأخير من مشروع نورد ستريم 2 الذي يقع في المياه الدنماركية. كشف بومبيو الأسبوع الماضي عن عقوبات جديدة ضد المشروع ستستهدف جميع الشركات المشاركة في البناء، وعقدت محادثاته هذا الأسبوع مع السياسيين الدنماركيين بسرية تامة إلى حدٍ ما من أجل ممارسة ضغط متزايد على المشروع.
من المؤسف أن واشنطن تسعى إلى تجدد الحرب الباردة، هذا ليس مجرد تعبير مجازي عن المواجهة السابقة منذ عقود بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ما تدور حوله واشنطن هو خلق حرب باردة فعلية مع الصين وروسيا. المفارقة هي أن بومبيو وغيره من السياسيين الأميركيين يتناقشون حول “الهيمنة” و “الاستبداد”، وينسبون هذه المصطلحات إلى الصين وروسيا. الحقيقة هي أن واشنطن هي الكيان الأول الذي يطالب بالهيمنة، وإذا لم تتولَّ هذا الموقف المهيمن على عملائها (ما يسمى بالحلفاء)، فإنهم مستعدون لفرض عقوبات وترهيب الدول من أجل الشعور بالاستبداد والهيمنة. وقد دعت الصين وروسيا مراراً وتكراراً من أجل عالم متعدد الأقطاب من الشراكة والتنمية المشتركة. إن الطبيعة المتكاملة للغاية للاقتصاد العالمي والاتصالات تجعل مثل هذه النظرة متعددة الأقطاب للعالم والعلاقات الدولية ليست ذات صلة فحسب بل ضرورية بالفعل. إن القوة الأميركية، ومن ضروراتها الرأسمالية والإمبريالية، لا تتوافق مع عالم مترابط. إنها تصر على هيمنة أحادية.
بطبيعة الحال، فإن الأعمال الوحشية والإجرامية التي تقوم بها أميركا تكذب خطابها ومزاعمها حول الدفاع عن “العالم الحر” و “الديمقراطية”. فأميركا تعتمد على قوتها الهمجية والعدوانية بشكل أساسي من أجل الحفاظ على هيمنتها المنشودة، لهذا السبب أنشأت واشنطن وحلفاؤها عبر الأطلسي (مثل ونستون تشرشل في بريطانيا) الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية. ولهذا السبب تستمر واشنطن في الإصرار على تقسيم العالم إلى نموذج “هم ونحن”.
ولهذه الأيديولوجية آثار خطيرة على السلم والأمن العالميين. الحروب الباردة والساخنة، وهي الحلول النهائية لضمان الهيمنة الأميركية، لكن سياسة واشنطن المتعثرة لم تعد تناسب العالم كما هي، ولم تعد قادرة على فرض هيمنتها كما كان في السابق، لقد أصبحنا في عالم جديد.
المصدر Strategic Culture