الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
لعل واحدة من المصائب التي ابتليت بها الدراما السورية موضع (الموضة) وما ينتج عنها من ارتدادات تحمل بين طياتها العديد من الأمراض التي ما إن تصيب جسداً حتى تنهكه، فكيف الحال إن كان جسد الدراما السورية؟.. ومن تلك الأمراض الفتاكة الاستسهال والاسترخاص والضرب بعرض الحائط بالقيم الفنية والجمالية وحتى العادات والتقاليد الإنتاجية التي سعى الأولون إلى إرساء دعائمها في بنيان شيدوه بكثير من الجهد والتعب.
ومن ويلات (الموضة) تحويل المنتجين إلى آلات استنساخ فما إن يلتقطوا بوادر نجاح عمل هنا أو يتلمسوا رضا المحطات على نهج معين من الأعمال هناك حتى يتراكضوا لإنجازه، لأن في ذلك مكسباً مادياً في زمن تعيش آلية العرض فيه حالة من التحولات والتبدلات خاصة مع دخول الانترنت على خط عرض الأعمال. وذلك كله يؤدي بالضرورة إلى الابتعاد عن الجمهور لأنه لم يعد أولوية، فيتم اللجوء إلى التسطيح والمبالغة في كل شيء تبعاً للموضوع المطروح، سعياً للجذب، مبالغة في العنف أو إظهار الحياة المترفة أو المدقعة بالفقر أو جمال الطبيعة، وبذلك يكون الكثير من المنتجين قد تجاوزوا حالة الهاجس الإبداعي لتقديم المقولة والرسالة الفنية والفكرية ضمن إطار بصري متميز، لصالح الرضوخ لما يتطلبه (البزنس) لأنه الأهم، وظهر ذلك بشكل جلي في أعمال جاءت بعيدة كل البعد عن الواقع، فعاشت الغربة بينها وبين المشاهد في كل شيء ابتداء من النص وصولاً إلى الإخراج والتمثيل وأماكن التصوير والديكور والمكياج.
لا يمتلك العمل مشروعيته إن لم يكن مُستمداً من الواقع، يقاربه ويلامسه، وليحمل صفة المصداقية ينبغي تقديمه بمفردات مشابهة له ومستمدة من رحمه، لتتم معالجتها بطريقة تتناسب مع الشكل المٌفدم، أي إعادة إنتاج الواقع بصيغة فنية. ولكن ما يحدث أن كثيرين يتسترون بعباءة (الواقع) ويحولونه مطية في أيديهم سعياً لترويج أعمالهم مهما كان نوعها، فإن كان المسلسل ينتمي للدراما التي تدور أحداثها ضمن البيئة الشامية غالباً ما يؤكد صنّاعه أنه يوثق لفترة من حياة الشام ويعكس الواقع بأحد مفرداته وخاصة الجانب المتعلق بالبيئة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أما إن كان يتبع لموضة (استنساخ الأعمال المدبلجة) فيشددون أنه يحكي قصصاً واقعية وحقيقية قد تجري في أي مكان، وإن كان العمل تاريخياً فسيحمل إسقاطات معاصرة، وإن تناول سيرة ذاتية فإنهم ينطلقون فيه من الخاص إلى العام لرصد واقع زمن معين، وإن جاء معاصراً (وبغض النظر إن كان كوميدياً، أكشن، تشويقاً، بوليسياً، رومانسياً..) فقليلاً ما نرى فيه أشخاصاً يشبهوننا أو يشبهون أناساً نعرفهم أو سبق والتقينا بهم، وبالتالي آلية التعاطي مع الواقع كثيراً ما تفلت من بين يدي الكاتب والمخرج وتنزاح باتجاه تغريب بعيد حتى على صعيد المشاعر والأحاسيس، ودائماً الحجج والتبريرات جاهزة.
المشاهد اليوم بأشد الحاجة إلى عمل يثير الأسئلة ويحرك الراكد، ومما لا شك فيه أن هناك بحراً من الأفكار التي يمكن النهل منها لتكون أساساً لأعمال درامية حقيقة قادمة تلامس وجع وهموم الناس، فعلى سبيل المثال، أين حصة شريحة المراهقين والفتية مما يُطرح من موضوعات، وماذا عن المهجرين من بيوتهم وأهل الشهداء ومن فقد جزءاً من جسده خلال الحرب على سورية، أين الحالات الإنسانية الدافئة التي تعكس واقع حال شريحة واسعة من مجتمعنا، كثيرون هم المغيبون عن درامانا لصالح تكريس ما لا يشبهنا، والحجة دائماً، هذا ما يمكن تسويقه للمحطات.

التالي