الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
قبل خمسة أعوام من هذا الشهر، بدأت روسيا تنفيذ عمليات عسكرية في سورية بناءً على طلب الحكومة السورية، كانت “نقطة تحول” بالغة الأهمية، كما ذكر الرئيس السوري بشار الأسد هذا الأسبوع، لقد شكل التدخل الروسي في سورية انتكاسة استراتيجية للتدخل الغربي الذي صنع حرباً غير شرعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هذه الضربة الحاسمة ضد الهيمنة المفترضة للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو قوضت إلى حد ما الجهود الحثيثة التي يبذلها الغرب لعزل وتشويه روسيا بالعقوبات والاستفزازات الأخرى، وهي جهود مستمرة بلا هوادة حتى يومنا هذا، كان تدخل روسيا استجابة مبدئية لطلب مساعدة من قبل حليف تاريخي، فسورية كانت الدولة المشرقية التي تتعرض في ذلك الوقت للهجوم ولمدة أربع سنوات من قبل جماعات مسلحة بشكل غير قانوني كانت تهدد باجتياح البلاد.
وقد ضمت هذه المجموعات مئات الآلاف من المرتزقة من عشرات الدول، حيث تم تكريمهم في وسائل الإعلام الغربية بـوصفهم “معارضة” في غطاء دعائي خادع، لاسيما وأنهم في الواقع مجرد إرهابيين متشددين، وقام هؤلاء المحبوبون من قبل الحكومات ووسائل الإعلام الغربية بقطع الرؤوس وذبح النساء والأطفال وأكل الأكباد وغيرها من الفظائع التي لا توصف ضد المدنيين.
ما أشارت إليه وسائل الإعلام الغربية حول “حرب أهلية” في سورية هو حيلة دعائية ساخرة أخرى لإخفاء حقيقة أن الصراع كان في الواقع حربًا عدوانية بالوكالة برعاية أجنبية.
كانت مؤامرة الإطاحة بهذه الدولة العربية في طور الإعداد لسنوات خلت من قبل القوى الغربية التي اعتبرت تحالفها مع روسيا وإيران مقاومة غير مقبولة لاملاءاتها وأهدافها الإمبريالية، لم تنخدع القيادة الروسية بالأوهام الأمريكية فقد عرف الرئيس فلاديمير بوتين والكرملين ما هو مخططهم تجاه المنطقة، كانت القوى الغربية تحاول تحويل سورية إلى دولة فاشلة، وتحطيمها بهجوم وحشي من قبل الوكلاء المتمردين الإرهابيين، وبهذه الطريقة تمهد الطريق لتغيير الحكومة في سورية وتنشئ دولة عميلة فيها لتلبي طلبات الغرب، وهذه شروط الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط التي يريدها الغرب لهم، الخطة الشائنة ستأتي على حساب تدمير سورية وحضارتها القديمة متعددة الأعراق والأديان إلى جانب مئات الآلاف من الأرواح التي فقدت وتحول ملايين الأشخاص إلى لاجئين.
تصدى الجيش السوري بقيادة رئيسه الشرعي لهذه المؤامرة ضد بلاده وكانت تلك المؤامرة كبيرة جداً وكان لابد من التدخل العسكري الروسي ووضع حد لهذا المخطط الإجرامي.
بحلول كانون الأول 2016، بعد أكثر من عام بقليل، كان الحلفاء الروس والسوريون قد حرروا مدينة حلب الشمالية بأكملها والتي كانت في السابق منصة انطلاق للحرب بالوكالة المدعومة من الغرب، تبعتها انتصارات مذهلة أخرى، بعد مرور خمس سنوات، تم تحرير سورية إلى حد كبير من الشبكات المسلحة، و لايزال هناك جيب صغير في شمال محافظة إدلب تصمم الحكومة السورية على استعادته في وقت قصير لاستعادة وحدة أراضي البلاد بأكملها.
من ناحية أخرى وبشكل متناقض، ولكن بشكل واضح، لاتزال أجزاء من شرق سورية تحت سيطرة القوات الأمريكية، التي لم تطلب الحكومة السورية مساعدتها في محاربة الإرهاب، وبالتالي هي تحتل الأراضي السورية بشكل غير قانوني، وبالطبع هذه الحقيقة تتحدث عن الطبيعة الحقيقية لأجندة واشنطن الإجرامية فيما يتعلق بسورية، المزاعم الأمريكية حول “هزيمة الإرهاب” هي تغطية سخيفة لهدفها المتمثل بالسيطرة على سورية، وهو الهدف الذي جعل واشنطن تقوم سراً بتسليح الوكلاء الإرهابيين، وليس إلحاق الهزيمة بهم، كان التزام روسيا بالدفاع عن سورية بطولياً ولم يخلُ من الصعوبات.
كانت البلاد مليئة بالجماعات المسلحة التي تم تسليحها وتوجيهها وتمويلها من قبل مجموعة هائلة من القوى والدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية وغيرها من أنظمة الخليج الغنية بالنفط، وكذلك “إسرائيل”.
كما أشرنا أعلاه، قبل التدخل الروسي، كان الأعداء المدعومون من الخارج على أبواب دمشق. لقد كاد الإرهاب الهمجي يشكل خطراً حقيقيا على سورية، لكن لحسن الحظ، قلبت القوة النارية الروسية والسورية تيار الإرهاب، هذا الإنجاز مماثل لانتصار الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية في ستالينغراد.
اليوم، نادرًا ما يتم ذكر الحرب على سورية في وسائل الإعلام الغربية، وعدم الاهتمام هذا يعكس الخسارة الظاهرة والاعتراف الضمني بأن روسيا وحليفتها سورية هزمتا الحرب السرية المدعومة من الغرب، قد يتصور المرء النتيجة البديلة لو لم يكن هناك الجيش السوري والمساندة الروسية، بدون أدنى شك ستكون سورية اليوم أرضا قاحلة مستولى عليها من قبل أمراء الحرب الإرهابيين.
إن تداعيات هذا السيناريو الكابوسي على أمن منطقة الشرق الأوسط وما وراءها يكاد يكون من الصعب التفكير فيه. لقد كانت جهود روسيا بمساندة الجيش السوري هي التي حالت دون تلك النتيجة الجهنمية، لم تكن سورية سوى ضحية واحدة في سلسلة الحروب الإجرامية التي شنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي حروب دعمها أو مكنها حلفاء أوروبيون وحلف شمال الأطلسي، لقد أدى التدمير الغربي للعراق وأفغانستان وليبيا إلى نشوء الإرهاب الذي استغله الغرب بدوره للتدخل في سورية، فكان تدخل روسيا في سورية أشبه برجل إطفاء أطفأت أفعاله لهيب الفوضى والهمجية.
ربما يكون التحالف العسكري الروسي السوري قد أنقذ سورية، لكن ما تزال هناك تحديات شاقة تواجه سورية في المستقبل، لأسباب ليس أقلها العقوبات الغربية التي تعرقل إعادة الإعمار، إن صمود الشعب السوري مصدر إلهام، ونأمل أنه بمساعدة استراتيجية من روسيا والصين وإيران وغيرها، ستعود سورية في الوقت المناسب على الرغم من الانتقام الوحشي للقوى الغربية.
أهمية التدخل العسكري الروسي تتجاوز سورية، لقد كانت هزيمة تاريخية ومؤثرة لمؤامرة النظام الغربي والتواطؤ مع وكلاء الإرهاب، يمكن أن ننظر إلى الصراع الحالي في ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، تهدد تلك الحرب بالانفجار في حرب إقليمية في جنوب القوقاز المجاورة لروسيا، وأحد العوامل التي تنذر بالخطر هو تورط تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي في الصراع عن طريق النشر السري للمسلحين الإرهابيين في منطقة القوقاز بعد نقلهم من شمال سورية، قد ندرك أيضًا التوسع الاستفزازي المستمر لحلف شمال الأطلسي بالقرب من حدود روسيا كشكل من أشكال محاولة واشنطن وحلفائها إعادة توازن القوة، يمكن تمييز الشيء نفسه من الذرائع المستمرة لفرض عقوبات على روسيا، مثل قضية نافالني الغريبة.
في الواقع، كانت هذه هي الهزيمة الهائلة للمكائد الغربية في سورية على يد روسيا، ويبدو أنه من المعقول أن تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى الانتقام من موسكو بحثًا عن كل فرصة خبيثة لاستعادة خسارتهم لقانون سيادة القانون الإمبراطوري.
بالنسبة لواشنطن وإمبراطورية أتباعها، كان فقدان القدرة على ممارسة العنف مع الإفلات من العقاب بمثابة “ضربة لا تغتفر” من روسيا.
عن Strategic Culture
