الثورة أون لاين- ترجمة سراب الأسمر:
التضليل الإعلامي اليومي حول فيروس كورونا القاتل جعل الملايين حول العالم ضحية الخوف، فالخوف والذعر بالإضافة إلى الأكاذيب يمنعان العالم من فهم منطق السياسات الاقتصادية والاجتماعية اليوم.
ففي ١١ آذار ٢٠٢٠ تم الإعلان عن فيروس كورونا كوباء عالمي يتطلب إجراءات صحية واقتصادية استثنائية للمواجهة، وبعد مرور سبعة أشهر على ما سبق، تم الإعلان عن “موجة ثانية” من الفيروس، مع اقتراح مكافحتها بمنع وتأخير إعادة فتح الاقتصاد، هذا إلى جانب التباعد وارتداء الأقنعة.
في بداية الموجة الثانية كان الاقتصاد العالمي قد بات في حالة من الفوضى في حين لم تكشف التقارير عن خطورة هذه الأزمة العالمية فالإثباتات غير كاملة.
“الاقتصاد الحقيقي” والمال الوفير:
يوجد علاقة هامة بين “الاقتصاد الحقيقي” و”المال الوفير” أي القوة المالية، ما يجري الآن هو عملية تمركز للثروة تتمكن من خلالها القوة المالية من الاستيلاء على الأصول الحقيقية للشركات المفلسة وكذلك على الأموال المالية للدولة.
يشكل الاقتصاد الحقيقي المشهد الاقتصادي للنشاط الاقتصادي الفعلي مثل أصول مال الإنتاج، الزراعة، الصناعة والخدمات، والبنى التحتية للاقتصاد والمجتمع والاستثمارات والتوظيف.
فالاقتصاد الفعلي على المستويين العالمي والوطني مستهدف لصالح مؤسسات مال “دائني” الاقتصاد الحقيقي، وقد أدى توقف الاقتصاد العالمي إلى حدوث ديون عالمية لا سابق لها تقدّر بملايين الدولارات ألمّت بالاقتصادات الوطنية لدول كثيرة.
ضمن إطار “التطبيع الجديد” لحركة الانتعاش العالمي الجديد الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي يمكن للمدين شراء قطاعات هامة من الاقتصاد الفعلي والاستيلاء على الشركات المفلسة، كما يمكنه السيطرة على الثروة العامة بما في ذلك الأصول الاجتماعية والاقتصادية للدول من خلال مشروع الديون الضخمة.
الحكومة العالمية:
عبارة عن نظام حكومة عالمية تسيطر فيه المصالح المالية النافذة بما في ذلك مراكز الفكر على صنع القرار على المستويين الوطني والعالمي، وعرّف ديفيد روكفلس الحكومة “بالسيادة الدولية لنخبة المثقفين والمصرفيين”، ويفرض سيناريو الحكومة العالمية برنامجاً شاملاً للهندسة الاجتماعية والتماثل الاقتصادي، ويشكل امتداداً للسياسة النيوليبرالية المفروضة على الدول النامية والدول المتطورة، فهو عبارة عن تهميش المصير القومي وارتكاز على شبكة عالمية من الأنظمة بالوكالة مؤيدة لأميركا، تسيطر عليها حكومة عالمية مكونة من مؤسسات مالية كبرى والأثرياء ومؤسسات خيرية.
ما هي آثار إغلاق الاقتصاد العالمي؟!
موجة الإفلاس:
طالت موجة الإفلاس الناجمة عن إغلاق الاقتصاديات الشركات المتوسطة والصغيرة بالإضافة إلى الشركات الكبرى، وبناءً على دراسة أجراها مركز التجارة الدولي تأثرت ثلث الشركات الصغيرة بشدة وقد يغلق خمسها خلال ثلاثة أشهر إغلاقاً تاماً.
أما في الولايات المتحدة فالإفلاس مستمر، حيث تراكمت على الشركات الأميركية ديون تقارب ال١٠,٥ مليارات دولار… بالنسبة للشركات الصغيرة ٩٠% منها تأثرت سلباً نتيجة الوباء، وتعرضت لاضطرابات في سلسلة التوريد.. وأغلبها خفضت قوتها العاملة بنسبة ٤٠%.
عالمية البطالة بالجملة:
أكد تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية (OIT) في آب ٢٠٢٠ أن أزمة كوفيد ١٩ تسببت بتعطيل اقتصاديات وسوق العمل بشدة، إذ أثرت على ١,٢٥ مليار عامل لاسيما في القطاعات الأكثر تضرراً مثل البيع بالتجزئة، والخدمات الغذائية والتصنيع حيث معظم هؤلاء يعملون لحسابهم وبدخل منخفض ومنهم في وظائف منخفضة الدخل حيث يتعرض الشباب لصدمات متعددة نتيجة صعوبة الحصول على عمل.
ولا تركز منظمة العمل الدولية على الأسباب السياسية للبطالة الجماعية وبالتحديد الإجراءات الحكومية التي تدعي أنها تهدف لحل وباء كوفيد ١٩، عدا ذلك تستخف هذه المنظمة بالمستويات المتزايدة للبطالة، فقد تم تقدير متوسط معدل البطالة لدول أميركا اللاتينية ب ٨,١% بنهاية ٢٠١٩، وفق الOIT قد تكون ارتفعت بين ٤-٥ نقاط بالمئة، إلا أن تقديرات هذه المنظمة والبنك الدولي خادعة، فوفق بنك التنمية الدولية الأميركية (BID) ارتفعت البطالة في دول أميركا اللاتينية إلى ٢٤ مليوناً..أما في الولايات المتحدة فتجاوزت البطالة ال١٥% من السكان العاملين. وفي الاتحاد الأوروبي قد تصل نسبة البطالة في دوله إلى ٩% بعد إجراءات الإغلاق التي طبقتها الحكومات.
انتشار المجاعات:
وفق مصادر الأمم المتحدة انتشرت مجاعات في ٢٥ دولة نامية على الأقل في ١٧ تموز ٢٠٢٠ نتيجة إجراءات كوفيد ١٩، ويحذر تحليل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي من تدهور الأمن الغذائي في تلك الدول لاسيما بعد دفع الناس نحو الجوع الحاد. ويمكن أن يكون لهذا الوباء تأثيرات مباشرة بعيدة المدى على المجتمعات والاقتصاديات تؤدي إلى أزمات جديدة لها آثار على الأمن الغذائي وسبل العيش.
مع وجود أكثر من مليار شخص (٦٢% من العاملين في العالم) يعملون في قطاعات غير رسمية يواجه بذلك ملايين الأشخاص من الخطر المتزايد للوقوع فريسة المجاعات، التغذية وانعدام الأمن الغذائي ليست مقتصرة على الدول النامية فوفقاً لستيفن ليندمان عانت عائلة من أصل أربع أسر أميركية من انعدام الأمن الغذائي، كما تقدر دراسة صادرة عن معهد جامعة نورث وسترن لأبحاث السياسات أن ٣٠% من الأسر التي لديها أطفال تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
التعليم:
تقدر اليونيسف أن ١,٦ مليار طفل ومراهق يتأثرون بإغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم، وهذا بعد انتشار الوباء والإغلاق المؤقت للمدارس في ١٣٢ دولة. فدعونا لا نخدع أنفسنا: حياة الناس تُدمَر وهذا ليس بسبب الفيروس الخامس لكن بسبب قرار سياسي تتخذه الحكومات الفاسدة بالنيابة عن المؤسسات المالية المهيمنة.
الموجة الثانية:
والآن كلفت المؤسسة المالية الحكومات بتنفيذ برنامج يوصل إلى إفلاس ثانٍ بحجة وتبرير زيادة حالات كوفيد ١٩، وتأثرت جميع أشكال النشاطات الاجتماعية، وهذا عدا إغلاق المدارس والجامعات وغيرها.
ففي بداية الموجة الثانية سيساهم تأجيل إعادة فتح الاقتصاد العالمي في القضاء على الشركات الصغيرة والمتوسطة حول العالم، مع التسريع بإفلاس القطاعات الاقتصادية كافة بما في ذلك شركات الطيران.
فالإحصاءات الرسمية المتلاعب بها لما يسمى بحالات كوفيد “المؤكدة” هي أساس تبرير هذه الإجراءات الشيطانية. إذاً وباء كورونا مجرد أجندة نيوليبرالية عالمية تقودها حكومات فاسدة تحت تسمية المؤسسة المالية.
“التطبيع الجديد” وإعادة التهيئة العالمية:
دعونا لا نخدع أنفسنا، فأمام سلسلة الافلاسات وتدمير القطاع المدني والفقر وانهيار القدرة الشرائية من الصعب إيجاد حل للبطالة في ظل إطار “التطبيع الجديد” لاسيما إذا أخذنا باعتبارنا السياسات النيوليبرالية التي سيفرضها الدائنون العالميون.
فاليوم يدعو المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) إلى اعتماد تعويض عالمي عظيم سيديره دائنو العالم، وفق بيتر كونيغ تقضي عودة الانطلاق العالمي سحب الأصول المالية من النخب الدنيا إلى يدي نخب صغيرة عبر عبودية الديون.
حملة التخويف باتت إذاً أداة سياسية آلية للتعبئة الاجتماعية حيث قبل الناس مرغمين على الإجماع الرسمي بهذه الأكذوبة الكبيرة.
من المؤسف أن العديد من المثقفين التقدميين الذين يفهمون سياسات وأعمال الرأسمالية العالمية أيدوا السرد حول كورونا، وبالنتيجة أدى إغلاق الاقتصاد العالمي بسبب الوباء إلى أضرار فادحة.
بقلم: ميشيل شوسودوفسكي
عن: موندياليزاسيون