ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
كثيرون استغربوا توجه مجموعة من الأعمال وضمن فترة محددة لتناول موضوعات معينة وكأنها مصادفة أو توارد أفكار ، ولكنها في حقيقة الأمر هي توجه شركات إنتاج تملي فيها على الكاتب أو بالأصح (المستكتب) أفكاراً بعينها وتطلب منه أن يُلبسها حكاية مشوقة ، وعلى سبيل المثال سبق أن درج موضوع العنف ولسبب أو لآخر شكّل التيمة الأبرز لعدة أعمال درامية هامة ، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة (بما فيها الدراما التي تدور أحداثها في البيئة الشامية) ، وبالتالي من حقنا التساؤل عن سبب إملاء بعض شركات الإنتاج أفكاراً معينة على الكتاب ، أهو بدافع (الجمهور عايز كده) أم تراه المُعلِن أو القناة العارضة وصاحب رأسمال الحقيقي؟.. ربما هناك شركات رأت في التوجه إلى إنجاز أعمال تحمل سمات وموضوعات معينة سبيلاً إلى الربح الأسهل واستكتبت من يقوم بالمهمة ، والمصيبة أن هناك شركات ترفض النصوص التي ألفها كتابها رغم أهمية بعضها لأنها كُتبت بمعزل عن أفكار الغير وعن هذا المنهج في التعاطي ، مفضلين اللجوء إلى الاستكتاب لترجمة أفكار وطروحات وموضوعات بعينها.
على الشط الآخر يقف الطرف الأبرز في المعادلة ، وهو الكاتب ، ويمكن التمييز بين حالتين رئيسيتين ، الأولى الكاتب الذي يمتلك مشروعاً إبداعياً ويقوم في كل نص يقدمه بعملية خلق كاملة للأفكار والأحداث ورسم الشخصيات ووضع الحبكات وربط ذلك كله بتاريخ كل شخصية وبيئتها ولغتها ، والحالة الثانية هي الكاتب الذي يعمل وفق نظام الاستكتاب بحيث يتم تكليفه بإنجاز عمل ضمن أفكار أو خطوط معينة ليقدمها في قالب حكائي ، وهنا نجد (المُستكتب) الدخيل المؤطر بشكل مُسبق ضمن أروقة لا يمكنه الخروج عنها والملتزم بتقديم عمل يحمل صفات بعينها ، كما نجد (المُستكتب) المبدع الذي يعمل وفق معايير وشروط معينة ونظم شراكة إبداعية خلاقة مع صناع العمل للخروج بمُنتج كامل المواصفات ، ويقع على كاهله تقديم سيناريو مُحكم ، بالشراكة مع المخرج أو ورشة العمل بحيث يبدأ العمل منذ الانطلاقة الأولى للفكرة لتكون أكثر إشباعاً وتماشياً مع المشروع بهيكله العام للوصول إلى مُنتج أكثر تماسكاً وإتقاناً وإبداعاً ، وبالتالي الفرق شاسع بين أن يسيّر الكاتب نصه كما يريد أو أن النص هو من يسيّر الكاتب ، وبين مُستكتب هو في الحقيقة مبدع وبين من يملأ الورق بكلام وثرثرة همه فيها إرضاء صاحب الشركة المنتجة .
ومن الأمثلة الحاضرة ضمن هذا السياق يمكن تناول تجربة المخرج نجدة انزور الذي عادة ما يقوم باستكتاب كتاب لأفكار يتم العمل عليها ومعالجتها للخروج بها بالصورة الأفضل ، الأمر الذي أكده أنزور أكثر من مرة بأنه يقدم أفكاراً ويستكتب لها كتاباً لإنجاز أعمال تندرج في مجملها ضمن منهج وإطار فكري تنويري نحن بأشد الحاجة إليه ، لذلك تميزت أعماله برؤى تختزل مشروعاً وهاجساً يؤرقه ، ومما سبق أن صرح به قوله (لدي مشروع ثقافي وفني ، وأقوم باستكتاب الأفكار والنصوص) ، لذلك يمكن تلمس حرصه على انتقاء الأفكار ومتابعة كتابتها لتكون منسجمة مع الهاجس الإبداعي الذي سعى إليه عبر ما قدم من أعمال .
ربما يكون مبدأ الاستكتاب أحد الحلول الحالية المؤقتة بسبب الظروف الراهنة ، شرط ألا ينتقص من فكر وإبداع الكاتب ، لأن عليه أن يُعمل خياله وشطحاته ورؤاه في النص ويبث روحه بين حنايا الكلمات والأفكار لتصل ناضجة مُقنعة ومليئة بالحياة ، وذلك كله لا يلغي وإنما يرفد حالة حضور الكاتب الخلاق المبدع الذي يقدم عمله من صميم أفكاره وطروحاتها .