الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
قد تتجلى السياسة الخارجية التركية الحالية بالعكس تماماً من دبلوماسية” العصا الغليظة”، التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفلت في عام 1901 لتكون السياسة التي تتبعها بلاده في ذلك الوقت : “تحدث بهدوء، ولكن لتبقى في يدك عصا غليظة، وعندها سوف تحصل على ماتريد” .
فقد أصبحت طموحات تركيا الجيوسياسية تصادمية ومتهورة وطموحة بشكل متزايد تحت قيادة رجب أردوغان المتطرفة، كما أن إصرارها على تحدي الحدود الإقليمية، والتخلي عن الأعراف والقوانين الدولية، والنزعة الأحادية غير الخاضعة للرقابة، والتودد إلى الجهات غير الحكومية الفاعلة البغيضة، كل هذا تسبب لها بعزلة دبلوماسية غير مسبوقة، بالإضافة إلى التوبيخ المستمر من حلفائها السابقين. هذه المبادرات التركية غير الحكيمة تركتها مع عدد أقل من الشركاء الاستراتيجيين وعدد متزايد من الخصوم الجيوسياسيين.
عندما اندلعت الأعمال العدائية الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها، ألقت تركيا بثقلها السياسي والدبلوماسي لمساعدة أذربيجان والتي استفادت من الطائرات بدون طيار تركية الصنع في الحرب، كما أرسلت أنقرة آلاف المرتزقة الأجانب إلى أذربيجان لقلب الموازين ضد أرمينيا، بالرغم من أنها تنفي ذلك.
من المحتمل أن يكون هذا التصعيد قد أثار حفيظة روسيا التي هي ليست فقط وسيط القوة الإقليمي التقليدي، ولكنها أيضًا تحافظ على اتفاقية أمنية مع أرمينيا. في العاشر من تشرين الأول توسطت روسيا في وقف إطلاق نار ضعيف استمر أقل من 24 ساعة، وبعد ذلك بوقت قصير أصدرت تركيا بيانًا دعت فيه أرمينيا إلى الانسحاب الكامل من منطقة ناغورني كاراباخ كشرط مسبق لمحادثات السلام.
هذا الموقف التركي تسبب بشكل كبير في تعقيد جهود الوساطة التي تقودها روسيا ليس فقط لأنه يدعم خروجاً جذرياً عن الوضع الراهن الذي دام 30 عامًا، ولكنه يسلط الضوء أيضًا على موقف تركيا المتصلب بشأن الصراع. في 13 تشرين الأول أصر السياسي التركي دولت بهجلي على أن “أرمينيا هي الطرف الذي انتهك وقف إطلاق النار كما هو متوقع، لا ينبغي أن تؤخذ ناغورني كاراباخ من خلال الدبلوماسية، ولكن ينبغي أن تؤخذ عن طريق القوة”. حسب قوله.
كانت تركيا أيضاً على خلاف مع اليونان وقبرص ومصر بشأن احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط. تنبع هذه النزاعات الإقليمية البحرية من رفض تركيا الاعتراف باتفاقية قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة (UNCLOS)، وهو نظام بحري دولي يرسم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) حتى 200 ميل من الشاطئ، وتدهورت العلاقات التركية اليونانية على وجه الخصوص نتيجة رفض أنقرة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وانخرطت الدول المتنافسة في سياسة حافة الهاوية العسكرية وتبادل الانتقادات.
في بيان صادر في الخامس من أيلول، انتقد الرئيس التركي خصومه في أثينا، قائلاً “إنهم إما سيفهمون لغة السياسة والدبلوماسية، أو ستكون هناك معارك مؤلمة”. في الثاني عشر من تشرين الأول زادت تركيا من حدة التوتر عندما أرسلت سفينة إلى جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية لإجراء مسوحات زلزالية، وبالإضافة إلى البيانات الصادرة عن اليونان وفرنسا والاتحاد الأوروبي التي تحذر من هذه الخطوة، فقد قامت وزارة الخارجية الأمريكية بإصدار بيان في 13 تشرين الأول: “الإكراه والتهديد والترهيب والنشاط العسكري لن يحل التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط. نحث تركيا على إنهاء هذا الاستفزاز المحسوب والبدء على الفور في محادثات استكشافية مع اليونان”. وجاء في البيان أيضاً أن الإجراءات الأحادية لا يمكن أن تبني الثقة ولن تسفر عن حلول دائمة.
بالإضافة إلى كل هذا أصبحت تركيا موجودة بقوة في الحروب على سورية وليبيا وفي مواجهة مباشرة مع روسيا المتفوقة عسكريًا في كلتا الحالتين. ففي ليبيا تستخرج أنقرة موارد الطاقة من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لحكومة الوفاق الوطني (GNA) مقابل الحصول على أسلحة ودعم دبلوماسي. أما في سورية فقد عمدت إلى تكثيف تدخلها العسكري وقامت باحتلال جزء من الشمال السوري.في آب من هذا العام زُعم أن تركيا قامت بتنشيط أحد أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز S-400 لتعقب طائرة يونانية من طراز F-16، ما أغضب اليونان والعديد من أعضاء الناتو الآخرين، ومن بينهم الولايات المتحدة التي تنظر إلى شراء S-400 على أنه تهديد لطائرتها المقاتلة من طراز F-35 من الجيل الخامس. القلق الأكبر هو أن التنشيط التركي للنظام ، والذي يمكن لروسيا مراقبته، سيكشف بيانات مهمة عن أنظمة أسلحة الناتو. بعد الحصول على النظام المضاد للطائرات العام الماضي، منعت واشنطن أنقرة من شراء مقاتلة F-35. وفي غضون ذلك نظرت الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في الناتو إلى فرض عقوبات على تركيا كعقاب لتقويض التزاماتها الأمنية تجاه التحالف العسكري. في النهاية يجب على تركيا أن تقرر أين تكمن ولاءاتها، لأن عضويتها في الناتو قد تكون في النهاية على المحك.
في حين أن توقعات القوات التركية خارج حدودها تهدف إلى إظهار القوة العسكرية المتصاعدة ، فإن هذه الحملات لم تسفر عن الكثير من المكاسب الجيوسياسية الجوهرية. والسبب هو أن أنقرة لديها القليل من الرغبة في الاستثمار الكامل لمواردها الخاصة لتحقيق أهدافها الجيو إستراتيجية، فهي بدلاً من ذلك تقوم بتجنيد المرتزقة والإرهابيين الأجانب لتأمين مصالحها الخارجية وأطماعها.
من المرجح أن يكون الاستمرار في تصعيد الخطاب العدواني الاستفزازي من قادة تركيا بمثابة انحراف عن الاقتصاد المتعثر وتآكل المؤسسات الديمقراطية، لكن صبر المجتمع الدولي قد أضعف من هذا التكتيك. ولهذا يجب على النظام التركي تقليص سياسات الاستقطاب والمواقف المتعجرفة، فكلما أدركت أنقرة في وقت مبكر أن نطاق سياساتها الخارجية غير دائم، كلما تمكنت من التخلي عن مغامراتها غير الحكيمة وإصلاح علاقاتها الإقليمية والدولية.
السابق