برسم وزارة الزراعة .. مشكلة تلوح في الأفق لن يحلها الجدل والمراسلات.. بانتظار قرار حاسم وإجراءات مسندة علمياً
الثورة أون لاين – نهى علي:
دخلت الزراعة في مضمار جديد مختلف كلياً على مستوى الاستثمار، وانتقلت من البعد الاستراتيجي إلى الحيز الربحي المباشر، ويدور حالياً جدل واسع حول سلامة هذا التوجه، في تباين لوجهات النظر بين التجاري والرسمي المرتكز على الحالة الأكاديمية.
ويبدو أن المحفزات الربحية آخذة بالانتشار أفقياً في سورية، بما أن ” الحاجة أم الاختراع” رغم التحذيرات الرسمية من عدم المجازفة بمستقبل القطاع وتقاليده العريقة، فقد أرخى مفهوم الربح والخسارة بتأثيره على البيئة والزراعة، فأصبح تصريف ما يستورد تهريباً أولوية تتفوّق على كل ما عداها، وانتشرت زراعة أنواع دخيلة، يخشى القائمون على القطاع أن يكون تأثيرها أكبر مع الزمن، فيما يحاول المقتنعون بالبعد الاستثماري التجاري، تعزيز التوجه الجديد تحت مبررات العائد المجزي.
ولم يكن تحذير وزير الزراعة حسان قطنا من الترويج لزراعة بعض النباتات رغم منعها من هيئة البحوث العلمية الزراعية، وتأكيداته أن النباتات الأصلية الموجودة في بيئتنا هي الأفضل والأكثر كفاءة، لم يكن كافياً للردع وتصويب ما اعتبرته الوزارة خللاً، إذ بات الأمر بحاجة إلى إجراءات أبعد من مجرد نصائح.
تحذيرات وزير الزراعة ارتكزت على وجهات نظر علمية ودراسات أكاديمية، بعد أن سارعت مديرة هيئة البحوث العلمية الزراعية د.ماجدة مفلح، للتأكيد في تصريحات استدراكية أن الهيئة منعت زراعة كل من الباولونيا والآزولا (نوع من السراخس ويمكن استخدامه كعلف)، وقامت بتوجيه كتاب بالمبررات العلمية لوزارة الزراعة لتصدر قراراً بمنعها كلياً قريباً، وعزت مفلح سبب المنع لما تتطلبه من كميات كبيرة من المياه في ظل تناقص تدريجي مع المستقبل للموارد المائية، في الوقت الذي يجب التركيز فيه على المحاصيل الاستراتيجية كالقطن والقمح، مؤكدةً أن ما يتم ترويجه حول جودة أخشاب الباولونيا وتفوّقها على باقي الأنواع خاطئ كلياً، حيث أثبتت دراسات الهيئة أن الأخشاب المحلية أكثر جودة منها.. إلا أن هناك من يؤكد – مهندسون زراعيون – أن ثمة مناطق وفرة مائية تبدو جاهزة لاستقبال هذه الزراعات، كما أنه من السذاجة التفكير بزراعة هذه النباتات في مناطق الشح المائي لأن الفشل سيكون حليف التجربة، أي إن كانت المشكلة مشكلة مياه وحسب دون أي آثار أخرى، فإن الوضع ليس بالخطورة التي تستدعي التحذيرات ودق ناقوس الخطر.
مديرة البحوث تتهم النيات الربحية ونزعات الاستثمار قصير النظر، بالبعد عن الحالة الاستراتيجية، فهي ترى أن بعض تجار القطاع الخاص استورد هذه الأنواع تهريباً وروّج لها في مناطق عديدة، بينما يعود الدور الرقابي إلى وزارة الزراعة التي من المتوقع أن تصدر قراراً بمنع استيراد هذه النباتات أو زراعتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ أشهر قليلة اتجهت محافظة دمشق لتجربة زراعة أشجار الباولونيا في عدد من حدائق المدينة كالسبكي وفي عقدة نيسان وجانب اتحاد الفلاحين، وكان الهدف وفق المحافظة إضفاء المظهر الجمالي على المدينة..! كما قامت غرفة زراعة السويداء بتجربة أخرى نظراً لجدواها الاقتصادية، وكذلك أجريت تجربة أخرى في سلمية للاستفادة من الأخشاب!.
بعض الزراعات الجديدة ظهرت بحكم الحاجة والضرورة، كبديل علفي وسط آمال بعودة الحياة لمشاريع الثروة الحيوانية التي انخفضت بنسبة كبيرة خلال سنوات الحرب، خاصة وأن فرص الزراعة تناسب المدينة والريف ولا تكاليف مرهقة فيها.
وقد اجتاح نبات الأزولا كنبات علفي مؤخراً أراضي محافظة السويداء، وكان أكبر معزز لانتشار زراعة هذا النبات هو الحاجة للأعلاف، إلا أن هذا النبات أيضاً دخل في قائمة المحظور، وبالعودة إلى وزير الزراعة، فهو يشير إلى أنه سبق وأن أدخل أحد المواطنين نبتة الباذنجان البري التي تعتبر نبات زينة على الشرفات في أحد بلدان العالم، وبعد دخولها بزمن انتشرت في منطقة حوض الفرات وباتت تنافس زراعة المحاصيل الصيفية من القطن والذرة والخضار، وأصبحت من النباتات الضارة الغازية، وتدفع وزارة الزراعة سنوياً مئات الملايين لقلع وإتلاف هذا النبات الضار!.
والأزولا نبات سرخسي يعيش طافياً على سطح الماء ويحتوي نسبة عالية من البروتين تصل إلى 25- 44% ويستخدم علفاً للدجاج البياض والتسمين والأرانب والمواشي والأسماك والأغنام وخاصة البط، ويستبدل بـ50% من العلف المركز، كما أنه يعمل على زيادة إنتاج الألبان بنسبة 20%. يُزرع مرة واحدة بالعمر ويعطي إنتاجاً مدى الحياة، ويتكاثر بطريقة تُعرف علمياً بالتجرثم والعائل على كائن آخر هو البكتيريا، ولا يحتاج أي تكاليف سوى إنشاء المزرعة فقط، لذا يعتبر علفاً مجانياً وينتج الفدان الواحد 30 طناً شهرياً من الأزولا، ويمكن زراعته فوق أسطح المنازل في أوعية البولي ايثلين واستخدام العلف الناتج لتغذية المواشي والطيور.
ختاماً يبدو أننا أمام مشكلة حقيقية لا يحلها الجدل عبر وسائل الإعلام والمراسلات الرسمية والنصائح، بل لا بدّ من ورشة عمل علمية أو ندوة تخصصية، يشارك فيها باحثون كبار وأساتذة من كل الجامعات السورية، يتم اعتماد توصياتها بشكل رسمي وتصدر على شكل قرارات ملزمة، مع إجراءات تنظيمية وردعية، فإن كانت هذه النباتات خطيرة يجب إيقاف زراعتها ومكافحتها فوراً، وإن كانت مخاطرها قليلة أو معدومة مع جدوى اقتصادية حقيقية فليتم التوجه لنشر زراعتها على نطاق أوسع وفق مقتضيات الحاجة والظرف الصعب.