الملحق الثقافي:رشا سلوم :
في البدء كان الحرف الصورة، واليوم يعود ليكون صورة حين نقش القدماء حروفهم على جدران الكهوف والمعابد والصخور بشكل صور تنوعت بين أشجار وأشكال برية وطيور وغير ذلك كانوا يمارسون لغة الكتابة التي حفظت كل ما أرادوه إلى أن كانت الحروف الأبجدية التي جادت بها سورية إلى العالم كله.
وكانت القفزة الثالثة حين بدأت ثورة الطباعة واختراعها وغدا الحرف المطبوع سيد التواصل في العالم.
اليوم هذا كله يبدو نقطة في لجة ما نعيشه من تطور تقني جعل الصورة تعود إلى الواجهة وتحل محل أفصح اللغات ما جعل الصينيين يقولون إن كل صورة تعادل ألف كلمة.
وكان تطور هذا التواصل البصري مع اختراع آلات التصوير ومن ثم السينما والتلفزيون وغير ذلك، واليوم الشائكة التي أحاطت بنا من كل حدب وصوب، وغدونا نبحر في متاهات الصورة التي كانت ذات يوم كما قال عنها ابل جانس عام ١٠٢٦م نحن نعيش في عصر الصورة وكان قبله أرسطو بقرون قال:إن التفكير مستحيل من دون صور.
لكن ماذا نقول اليوم؟ وماذا يقول المفكرون حول الصورة والتواصل البصري الطاغي؟. يشير إلى هذا الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه المتميز الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية وحمل عنوان ..عصر الصورة. وعلى لسان المفكر الفرنسي رولان بارت .. نحن نعيش حضارة الصورة التقنية والفنية وكل ما تحمله فلم يعد العصر يوسم بأنه عصر الصورة بل حضارتها.
بمعنى آخر هي كل شيء في حياتنا من المنزل إلى الشارع إلى وسائل الإعلام واللوحات الفنية. لقد غدت شبكة العلاقات التي اختزلت العالم إلى أن يكون قرية صغيرة بلغة واحدة لا تحتاج مترجماً، ولكنها مضللة خبيثة تحمل في طياتها الكثير من المكائد والمصائد.. هي أداة حرب عسكرية وثقافية وسياسية واجتماعية، يضخّها القوي الذي يعرف كيف يصنعها ويلقي بها إلى ساحات التفاعل الاجتماعي والفكري اللحظة المناسبة دائماً تلقي بملايين الصور المعدة لها وبسرعة البرق تنتقل إلى أطراف العالم كله لا تحتاج جواز سفر، ولا يمكن لأي حصن أو جدار أن يمنعها وكما يقول المثل ما إن ترتدي الحقيقة ثيابها حتى تكون الإشاعة طافت العالم مرات ومرات، والصورة اليوم هي الإشاعة وهي الراسخة في لحظة التلقي الأولى.
ألا نردد دائماً أن علينا أن نتحدث بما نرى لا بما سمعناه..هذا يعني أن من يضخ الصورة الأولى بأي حدث مهما كانت الصورة مزيفة فسوف يترك أثراً لدى المتلقي ولن يكون من السهولة أن تزيله.
الصورة في عصر العولمة..
في كتاب شاكر عبد الحميد الذي أشرنا إليه، يعقد فصلاً مهماً جداً تحت العنوان السابق يرى فيه أننا محاطون اليوم بالصور في كل زاوية وكل مكان ما من أداة من أدوات التواصل إلا وهي صور. لقد أصبح عالم النفس البشرية عالماً تشغله صناعة الصور إلى حد كبير، وحلت ثقافة الصور محل ثقافة الحرف …ويخلص إلى القول: لقد أصبح الواقع صورة شاحبة من الصورة ..أن الصورة هي الأساس وليس الواقع، والصورة أصبحت تسبق الواقع وتمهد له، الصورة تحدث أولاً ثم تحدث المحاكاة لها في الواقع.
لم تعد الصورة محاكاة للواقع، بل الواقع أصبح الواقع أشبه بالمحاكاة للصور.
هذا يعني أنه من المستحيل الآن الفصل بين الواقعي والمتخيل. باختصار.. الصورة تحكم العالم ونحن تائهون في غاباتها.
التاريخ: الثلاثاء8-12-2020
رقم العدد :1023