الملحق الثقافي:
“أرى أنه من الضروري الإشارة إلى أن التيارات الثقافية الأجنبية، صارت تكثِّف من غزوها ومحاولاتها المستمرة لطمس هوية لغتنا العربية، وشيئاً فشيئاً إن لم نفق من هذه الغفلة “الكارثة” سنجد مجتمعاتنا العربية قد تلاشت وذابت هويتها وجرفتها أمواج هذه الأفكار والثقافات الدخيلة علينا، والمتأمل في هذا الغزو الثقافي، يجد أنه يأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة ومتعددة، فيها من الفطنة والذكاء والبرمجة ما يجعلنا نكاد لا نشعر به”..
كلماتٌ لفتتني وقالها صاحب “درر الإلقاء”. “موفق الأحمد” الفنان والمحاضر في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومؤلف هذا الكتاب الذي يُعتبر، أثمن ما يمكن أن يُهدى إلى أبناء مجتمعنا ولاسيما شبابنا، احتفاءً باليوم العالمي اللغة العربية..
لاشكَّ أنها هديةٌ قيِّمة، ويُرسِّخ من خلالها لثقافتنا وفكرنا وحضارتنا، ذلك أن ما تضمّنه هذا الكتاب، هو ما نحتاجه ولاسيما في هذا الزمن الذي نتعرّض فيه وكما ذكر “الأحمد” إلى “غزوٍ ثقافي كارثي” لا يمكن مواجهته إلا بالتمسكِ باللغة التي أبدع في إلقائها، والتي نختار من كلماته التي هي كلماتها:
“كلّ شيءٍ في الكون يخضع للهندسة، حتى توالي الأحرف في الكلمة المنطوقة تستطيع هندسته إن تمكنت من زمن كل حرف، مع العلم أن زمن الحرف نفسه، يختلف من كلمة لأخرى، حسب أهميته فيها”.
إنها “درر الإلقاء”. الكتاب الذي قدّم فيه هذا الفنان، الكثير من النصائح القيّمة التي اختارها من تجربته، وبعد تمرّسه في فن الإلقاء الذي جعله رسالة لغوية – تعليمية أراد منها، توجيه الشباب للاهتمام بلغتهم وسلامتها اللغوية والتعبيرية.. أيضاً، التدريب على فن الإلقاء بعد دراسته التي تحتاج وبالدرجة الأولى، إلى رغبة ذاتية تدعمها الأدوات وتصقلها بطريقة شائقة وتحمل الكثير من المتعة والفائدة اللغوية.
في هذا الكتاب، يغوص «الأحمد» في أعماق اللغة العربية وأبجديتها، ليستخرج الدرر التي هي علومٌ يبدأها، بعلمِ الصوت الذي يوجه قارئه أو طالبه إلى أهمية الاهتمام به، وإلى ضرورة تحريره من كلّ ما يمنع موسيقاه من جذبِ، من كانَ «عاشقاً للصوت» مثله.
أيضاً، يهتم ويركّز على قوة الإلقاء الذي يعتمد على الموهبة، منوّهاً ومذكِّراً بأن على الملقي تهذيب لغته والاعتناء بها، وبطريقةٍ تجعلها خالية من كلّ الأخطاء اللغوية أو الصوتية.
“الملقي هو ذلك العبقري الذي يتنقّل بين السطور، مُظهراً روح الكاتب، لتستقر الروحان من ثمّ، في ذاكرة المتلقي إلى الأبد”.
نعم.. هي نصائحه، بل رسائله. رسائل نصوصه في الأداء والكتابة والإلقاء.. الرسائل التي كتبها بنورِ عقلٍ، أراده يرتقي وينير هذا الزمن الذي ادلهمَّ من شدّة الغباء والعماء.
“لغة العلم في علمِ اللغة”.. “عزيزي الموسيقي: قوِّلِ اللَّحنَ. عزيزي الملقي: لا تُلَحِّنِ القول”.. “أبنائي الشباب: لولا اللغة، لكانت البدائية كابوس حياتكم”.. “عزيزي المذيع: ما حاجتكَ لعكَّازٍ قد يكون بالياً، شدَ من عضدكَ اللغوي وحارب الواثق لغوياً، دون اللجوءِ إلى ذلك العكاز”..
ببساطة، هو لسانٌ عربيٌّ لغوي، بل مجد لغة الضّاد الراقية والسامية. اللغة العربية التي رأى، أنه من الضروري الإشارة إلى التيارات الثقافية الأجنبية التي تكثّف غزوها، عبر محاولاتٍ مستمرة لطمسِ هوية لغتنا العربية.. رأى من الضروري ذلك، ومن أجل أن نستيقظ من غفلتنا وإلا:
“إن لم نفق من هذه الغفلة “الكارثة” فسنجد مجتمعاتنا العربية قد تلاشت وذابت هويتها، وجرفتها أمواج هذه الأفكار والثقافات الدخيلة علينا، والمتأمل في هذا الغزو الثقافي، يجد أنه يأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة ومتعددة، فيها من الفطنة والذكاء والبرمجة، ما يجعلنا نكاد لا نشعر به”.
التاريخ: الثلاثاء15-12-2020
رقم العدد :1024