الثورة أون لاين – هناء الدويري:
تحديات كبيرة تواجه اللغة العربية واستمرارها باعتبارها الحاضن الأساسي للهوية والثقافة والتاريخ ، فقد سبق وتعرضت عربيتنا لهجمات تترية متتالية على مرّ العصور في محاولات لمحوها وطمسها ، وبكل أسف نشهد اليوم تراجعاً كبيراً في حضور اللغة العربية في كثير من مجتمعاتنا ، فالمغرب العربي أرادوا له أن يتعلق بالثقافتين الفرنسية والإنجليزية ، وجاءت استجابة الكتّاب العرب لهذه الموجة خطيرة عندما كتبوا بغير العربية بدافع الانتشار والوصول إلى القارئ الأوروبي ، متغافلين عن انتشار التعريب .
وفي الخليج العربي ليس الأمر أفضل فانتشار العمالة العالمية الوافدة اضطر المجتمع الخليجي إلى التحدّث بالإنجليزية بدل أن يضطر الوافدون لتعلّم العربية .
حتى في منظمات الهيئات الدولية يوجّه العديد من العرب ضربة قاصمة للغة العربية عندما يتحدثون في تلك المنابر بلغات غير عربية رغم أن آباءنا ناضلوا عقوداً حتى تمكنوا من فرض العربية لغة رسمية فيها .
وتحديات مفجعة في توديع اللغة العربية الفصحى من قنوات التلفزة العربية ، واستخدام العامية حتى في نشرات الأخبار والبرامج الثقافية والسياسية واستخدام اللغات الأجنبية في الأسواق والشوارع واللافتات وأسماء المحلات والدلالات الطرقية .
بعد عرض بسيط لجزء من التحديات التي تواجه لغتنا العربية تأتي الوصفة العلاجية لمواجهة طوفان العولمة والأمركة الثقافي الذي اجتاح الأمة في عصرنا الحالي وهدّد هويتها وحضارتها هي تمكين اللغة العربية ، وقد قدمت سورية في انطلاقتها النهضوية نموذجاً وتحدياً كبيراً في قدرة العربية على نقل العلوم المعاصرة فعرّبت مناهج التعليم العالي العام والخاص في الطب والهندسة ومختلف الاختصاصات والعلوم ، ولم تجد صعوبة في تعريب المصطلحات وضمّها إلى العربية بيسر وسهولة ، وأسست سورية لمعاجم علمية ضخمة
البعض يقول إن تطور التكنولوجيا وثورة المعلومات تضيف تحديات جديدة لاستخدام اللغة العربية ، ولكل هؤلاء نقول إن العربية لغة جامعة ولغة قادرة على استيعاب كل الفنون والعلوم الحديثة لأن خاصية النحت بالعربية خاصية جوهرية قد لاتمتلكها أيّ لغة أخرى ، إضافة إلى قدرة العربية على استيعاب كل الألفاظ الأجنبية من دون تعريب ، لأن لغتنا لها القدرة على استيعاب ستة ملايين كلمة ، والمُستخدم إلى الآن لايزيد على مئة وعشرين ألف لفظ ، بالتالي لغتنا لاترفض استقبال المصطلحات ذات الشهرة العالمية واستخدامنا لها بالإقرار تعريب ، وسنجد أن كثيرا منها له اشتقاق عربي لأن نهضة العلوم في العالم قامت على نهضة العلوم عند العرب والمسلمين .
السيد الرئيس بشار الأسد وفي خطاب القسم أكد على ضرورة أن نرى اللغة كائناً حيّاً ينمو ويتطور ويزدهر كي تكون قادرة على الاندماج في سياق التطور العلمي والمعرفي ، وأداة من أدوات التحديث ودرعاً متيناً في مواجهة التغريب والتشويش التي تتعرض لها ثقافتنا ، وأشار إلى التراجع في الاهتمام العام باللغة العربية ، من هنا جاء القرار الجمهوري ذي الرقم ٤ لعام ٢٠٠٧ القاضي بتشكيل لجنة من مهامها إنجاز خطة عمل وطنية تستهدف التمكين للغة العربية والحفاظ عليها والاهتمام بإتقانها والارتقاء بها ومتابعة خطوات التنفيذ بالتعاون مع الجهات المعنية كوزارة التربية مثلا ، نجد أن المناهج التربوية تعزّز مكانة اللغة العربية ، لكننا نفتقر إلى النشاطات التي تغني وتثري استخدام الفصحى حتى ضمن الصف المدرسي من قبل المدرسين والطلاب ، وقد تقتصر على احتفاء بأسبوع مدرسي ثقافي بمناسبة اليوم العالمي للغة .
وزارة التعليم العالي جهودها تجلّت في التأليف لكافة العلوم بالعربية الفصحى ، ويبقى الالتزام بتلك المناهج ضمن الحصص الدرسية وبلغة فصحى في المحاضرات الجامعية ، إضافة لضرورة متابعة تطور مناهج البحث العلمي والتي تقع على عاتق الأساتذة والباحثين الجامعيين الذين يبدو تقصيرهم واضحاً في المواكبة العالمية .
وزارتا الثقافة والإعلام شريك حقيقي في الحفاظ على اللغة العربية وتمكينها ، ويجب أن تبقى هذه المهمة في صدر أولوياتهما ، وقد يتساءل أحد ما .. كيف يمكن ذلك ، وهل يمكن إلغاء العامية من حياة الناس وفرض التحدّث بيننا بلغة فصيحة…!!! والجواب يأتي بأننا لسنا قادرين على ذلك في مجتمع يشكو من تزايد الأمية الثقافية فضلا عن الأمية الكتابية والمعلوماتية…!!! لكننا بالحدّ الأدنى يمكننا أن نبقي على العامية المهذبة المشذبة المستقاة من الفصحى دون الحاجة إلى استعارة ألفاظ أجنبية في كلامنا العادي مع وجود مايشاكلها من لغتنا ، ونريد أن تبقى اللغة الفصحى البسيطة لغة الأدب والتخاطب العلمي والإعلامي .
مجمع اللغة العربية ، ولجان تمكين العربية لن تستطيع بمفردها تحقيق الهدف المرجو منها في تمكين العربية دون تضافر الجهود بين مؤسسات التعليم والتربية والإعلام والثقافة والمؤسسات الحكومية والأهلية ، والأهم من كل ذلك حثّ الأجيال الشابة ممن يحبون أمتهم ويتمسكون بعروبتهم أن لغتهم هي الأسمى واالحيّة، وأنها تمتلك من الخصائص مايؤهلها لانطلاقة كبرى في الحضارة الإنسانية