الثورة – فادية مجد:
منذ الأزل، شكل البحر فضاءً مفتوحاً للتأمل، ومصدراً لا ينضب للإلهام الفني، وخاصة للفنانين الذين كانوا على تماس مباشر مع البحر، فقد ظهرت البيئة البحرية في أعمالهم كعنصر يعبر عن الحرية، العزلة، الحنين، أو حتى الصراع الداخلي، كما تنوعت تجليات هذا التأثير بين استخدام الألوان المستوحاة من زرقة الأعماق، والخامات التي تحاكي ملمس الرمال والصخور، وصولاً إلى تكوينات تجريدية تستحضر حركة الماء وتبدلاته.
في هذا الحوار نغوص في العلاقة العميقة بين الفنان التشكيلي محمود هلهل ابن محافظة طرطوس والبحر .
– بداية، كونك ابن البيئة البحرية، حدثنا عن علاقتك مع البحر ؟
علاقتي بالبحر بدأت منذ الطفولة، نشأت في بيئة ساحلية، جعلت البحر جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتي ومشاعري، لتتحول تلك الذكريات إلى لوحات تعيد إليّ لحظات الرحلات البحرية والسباحة، والصيد والجلسات البحرية الساحرة في مسقط رأسي.
– هل ترى البحر كامتداد للذات أم كقوة مستقلة؟
البحر بالنسبة لي هو امتداد للذات، فهو صديق ومصدر إلهام لي، وعلاقتي به هي علاقة وجدانية، تحولت إلى هوية فنية تميزت بها، وأصبحت مفرداته تعبر عن رؤيتي الداخلية وتفاعلي الحسي مع العالم.
– هل هناك لحظة بحرية غيرت مسارك الفني؟
لحظات الغروب كانت مفصلية، حيث تخلق أشعة الشمس المنعكسة على الماء مشاهد بصرية لا حصر لها ، الأمر الذي عمق من ارتباطي بالبحر ، وألهمني لتجسيد هذه اللحظات المتغيرة بأسلوبي الوجداني.
– ألوان البحر لا تأتي من علبة الألوان بل من الذاكرة، زرقة الحنين، رماد الغروب، بياض الموج حين يغضب،
– كيف أثرت البيئة الساحلية في ذائقتك البصرية؟
البيئة الساحلية صقلت ذائقتي البصرية من خلال تفاعلي المباشر مع ألوان الطبيعة المتغيرة، مثل زرقة المياه المليئة بالحنين، ودرجات الأحمر والبرتقالي والأصفر في غروب الشمس، وبياض الأمواج الهائجة، هذه المشاهد أصبحت جزءاً من مخزوني البصري والعاطفي.
– هل تستخدم خامات مستوحاة من البحر؟
نعم أستخدم مواد طبيعية من الرمل والأصداف والمرجان والكائنات البحرية في أعمالي، مما يضيف بعداً حقيقياً وارتباطاً عضوياً بعالم البحر وتراثه.
– علاقتك مع البحر هل تغيرت مع الزمن؟
علاقتي بالبحر تطورت من مجرد ارتباط عاطفي إلى غوص أعمق في تاريخه ورموزه، خاصة التراث الفينيقي، لكنها ظلت علاقة ثابتة في جوهرها، وبقي البحر نبع إلهام لا ينضب.
– ما الرموز البحرية التي تكررها.. ولماذا؟
أكرر رموزاً مثل القوارب والصيادين والأمواج والصخور، بالإضافة إلى السفن الفينيقية وأساطيرها مثل الأميرة يوروب وطائر الفينيق، وعمريت وأصداف الموريكس، هذه الرموز تعبّر عن ارتباطي بالتاريخ والتراث والحضارة التي شكلت هوية منطقتي.
– هل هناك لوحة بحرية تعتبرها مفصلية؟
لوحاتي التي توثق أنواعا من الكائنات البحرية النادرة، والتي لها ارتباط بحضارتنا القديمة، ورسومي لرموز فينيقية كالسفن الفينيقية وصبغة الأرجوان، لأنها تمثل غوصي في طبقات التاريخ، وكشف كنوز حضارتنا العريقة وعلاقتنا بها وبالبحر .
– كيف تختار تمثيل البحر كمساحة مفتوحة أم ككائن حي، أم كذاكرة؟
أميل إلى تمثيل البحر كذاكرة وجدانية، حيث أستحضر مشاعر الطفولة واللحظات المتغيرة، مع تحويل مفرداته إلى رموز تعبر عن الجمال والإنسانية.
– هل تحاول إيصال رسالة بيئية من خلال أعمالك؟
من خلال استخدامي لخامات طبيعية من البحر وتوثيقي لجماله، أحاول تذكير الناس بأهمية الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية وتاريخها، أصوغها بشكل قد لا يكون مباشراً، بل عبر تجسيد جماله وهويته.
– وأخيراً.. كيف ترى دور الفن في حماية البيئة البحرية؟
الفن يستطيع كشف كنوز البحر وأسراره، بطريقة تلامس القلب، مما يزيد الوعي بأهمية الحفاظ عليه، ومن خلال أعمالي أحاول توثيق جمال البحر وتراثه، لإلهام الآخرين لحماية هذا الإرث الطبيعي والثقافي.