الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف
تسببت الفوضى التي خلفتها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، باحتدام النقاشات بين صانعي السياسة الأمريكيين حول مستقبل السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية على حد سواء، ومن أكثر القضايا إلحاحاً على جدول الأعمال هي التطورات في الشرق الأوسط، وخاصة دور الولايات المتحدة في سورية .
فبعد هزيمته النهائية في الانتخابات الأمريكية، سلّم دونالد ترامب للرئيس القادم “جو بايدن” إرثاً مثيراً للجدل بدءاً بالعديد من القضايا العالقة التي لم يتم حلها ، وانتهاء بتشويه صورة البيت الأبيض التي تضررت بشدة على الساحة الدولية، ومما لا شكّ فيه أنّ هذا ينطبق بشكل خاص على سورية، فعلى الرغم من المزاعم الأمريكية المتكررة بالنصر الكامل على داعش، لا يزال إرهابيو التنظيم يواصلون شن هجمات متفرقة في جميع أنحاء الجزء الشرقي من سورية، وبذلك أصبح نشاط الخلايا النائمة ذريعة لرفض الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل من سورية .
ويبدو مرجّحاً بشكل كبير أنّ إدارة بايدن تعتزم الاستفادة من” التهديد الإرهابي” لإبقاء الجنود الأمريكيين على الأراضي السورية من أجل “ضمان أمن حقول النفط والغاز” على حدّ زعمها، والحقيقة الواضحة هي أن الحرب المزعومة على “الإرهاب الدولي” تعتبر المهمة الأساسية للسياسة الخارجية لواشنطن في الشرق الأوسط، ولكن يكشف تاريخ تدخّل الولايات المتحدة في المنطقة أن البيت الأبيض ينظر إلى المجموعات الإرهابية في المقام الأول باعتبارها فرصة، حيث يتخذ من محاربتها ذريعة للاستيلاء على الموارد الطبيعية، من نفط وغاز، والتي كان يتعذر الوصول إليها سابقاً .
ومن أجل تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية تتجاهل الولايات المتحدة حقوق الإنسان بشكل مطلق في مخيم الهول مثلاّ ، حيث يعاني اللاجئون هناك من ظروف بائسة، فهم يعيشون جنباً إلى جنب مع إرهابيي تنظيم داعش، وقد تم إنشاء هذا المخيم في عام 1991 من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليكون ملجأً للمواطنين العراقيين الفارين من حرب الخليج، ثم بدأ المخيّم باستقبال إرهابيي داعش وعائلاتهم في أواخر عام 2018 .
وقد تمّ تصميم المخيم ليستوعب حوالي 11000 شخص، وهو يضمّ حالياً أكثر من 70.000 شخص معظمهم من النساء والأطفال من جنسيات مختلفة وذلك أكثر بست مرات من حجم المخيّم، ويعتبر لاجئو المخيّم أن الاكتظاظ وسوء الإدارة ونقص المياه والغذاء والرعاية الطبية غير الملائمة هي أسباب رئيسية لمعاناتهم.
وتتجاهل القيادة الأمريكية بإصرار هذه الكارثة الإنسانية والتي هي نتيجة للنهج الذي تتبعه بإهمال السكان المدنيين وهو ما تقوم بتطبيقه القوات المدعومة من قبل أمريكا (قسد)، في المناطق التي يسيطرون عليها، وبهذا فإن واشنطن تنتهك اتفاقية جنيف الموقعة في 12 آب 1949، والتي تلزم الولايات المتحدة بضمان سلامة المدنيين في شمال شرق سورية باعتبارها قوة احتلال .
بالإضافة إلى ذلك هناك قضية هامة أخرى مقلقة للغاية وتتمثل في زيادة حالات الشغب والهروب من السجون التي تسيطر عليها القوات المدعومة من قبل أمريكا (قسد)، والتي تضم حوالي 10000 مُعتقل، وقد وقعت مثل هذه الحوادث الخطيرة في تشرين الأول 2019، عندما هرب مئات السجناء من سجن عين عيسى .
لم يولِ الأمريكيون اهتماماً كافياً لهذه التطورات واختاروا عدم التحقيق في شبكات الاتجار بالبشر، والتي يتم استخدامها لتهريب المسلحين من السجن وبعدها إلى خارج سورية على الرغم من وجود خطر كبير من عودة ظهور الجماعات المسلحة وتصاعد الأنشطة التخريبية والإرهابية، وهذا الأمر هو دليل واضح على أنّ الولايات المتحدة ليست حليفاُ موثوقاً للأكراد في هذه المنطقة .
لقد اتّسمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب بالسعي وراء المنافع الاقتصادية بذريعة تعزيز الديمقراطية وحماية المدنيين في الدول الأخرى، في تجاهل كامل لمصالح تلك الدول، سواء كانت من الحلفاء لها أو من الأعداء، حيث إنّ ما يهمّ الرئيس الأمريكي”ترامب”، هو أن تصب موارد هذه الدول في دائرة مصالح البيت الأبيض فقط .
لقد أصبحت سياسة المعايير المزدوجة سمة مميزة للعلاقات الدولية حيث يصبح المدنيون ورقة مساومة .
أخيراً، من الواضح أن تحدّد مرحلة انتقال السلطة في الولايات المتحدة وتنصيب الرئيس جو بايدن ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على أن تكون ضامناً للأمن والاستقرار العالميين، أم إن طموحات واشنطن الاقتصادية والسياسية تأتي أولاً !!.
المصدر