تجربة البوسنة والهرسك .. دروس لسوريا في طريق العدالة والمصالحة

الثورة – إيمان زرزور:

جاءت زيارة وفد الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، إلى “البوسنة والهرسك” كخطوة نوعية في مسار بناء تجربة سورية مؤسساتية لمعالجة ملف المفقودين والمختفين قسراً، أحد أعقد الملفات الإنسانية بعد الحرب، تهدف الزيارة إلى تبادل الخبرات التقنية، وتحمل أبعاداً رمزية وسياسية تتعلق بالعدالة الانتقالية، واستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.

في تسعينيات القرن الماضي، واجهت البوسنة والهرسك واحدة من أبشع الأزمات الإنسانية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ خلفت الحرب أكثر من 30 ألف مفقود نتيجة عمليات التطهير العرقي والمجازر الجماعية، خصوصاً في سريبرينيتسا.

ولمواجهة هذا الإرث الدموي، أسست البوسنة عام 1996 اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) بدعم من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، عملت هذه اللجنة على تحديد هوية الضحايا عبر تحليل الحمض النووي DNA، وأنشأت أكبر قاعدة بيانات للمفقودين في العالم، تضم أكثر من 100 ألف عينة بيولوجية.

استندت التجربة البوسنية إلى منهج علمي وقانوني صارم يقوم على توثيق كل حالة، ومقارنة العينات الوراثية، وضمان مشاركة أسر المفقودين في العملية، ولم تقتصر النتائج على الجوانب الإنسانية، بل ساهمت في تثبيت أسس العدالة الجنائية الدولية من خلال استخدام الأدلة في محاكمات مجرمي الحرب أمام المحكمة الدولية في لاهاي.

بالنسبة لسوريا، التي يقدَّر عدد مفقوديها بمئات الآلاف، تمثل تجربة البوسنة نموذجاً عملياً لتجاوز مرحلة الألم نحو بناء العدالة، فالتحدي لا يقتصر على الكشف عن المفقودين، بل يشمل توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لعائلات الضحايا.

رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين محمد رضى الجلخي، أكد خلال الزيارة أن حجم المهمة في سوريا ضخم، ويحتاج إلى عمل مؤسسي شفاف يضمن عدم تسييس الملف أو تحويله إلى أداة ضغط، بل جعله مدخلاً للمصالحة الوطنية الحقيقية.

وتعمل الهيئة اليوم على صياغة قانون للمفقودين، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة، وإطلاق منصات للإبلاغ عن الحالات في المحافظات، بالتعاون مع منظمات دولية وخبراء في الطب الشرعي وعلوم الأدلة الجنائية.

تكشف التجربة البوسنية أن معالجة ملف المفقودين هي خطوة مفصلية في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، إذ لا يمكن لأي عملية سلام أن تنجح دون معرفة الحقيقة ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، وفي السياق السوري، تسعى الدولة الجديدة إلى تبنّي مقاربة عدالة انتقالية متكاملة تعيد الاعتبار لحقوق الضحايا، وتعزز وحدة المجتمع السوري بعد سنوات الانقسام والدمار.

وتعتبر زيارة وفد الهيئة إلى البوسنة إعلان عن ولادة رؤية جديدة في سوريا تتعامل مع ملف المفقودين كقضية وطنية لا سياسية، وكجزء من التزام الدولة بالعدالة والشفافية، فالدرس الأبرز من البوسنة هو أن الذاكرة لا تُدفن إلا بالاعتراف والبحث عن الحقيقة، وأن بناء المستقبل يبدأ من إنصاف الماضي.

آخر الأخبار
في يومه العالمي ..الرقم الاحصائي جرس إنذار حملة تشجير في كشكول.. ودعوات لتوسيع نطاقها هل تتجه المنطقة نحو مرحلة إعادة تموضع سياسي وأمني؟ ماذا وراء تحذير واشنطن من احتمال خرق "حماس" الاتفاق؟ البنك الدولي يقدم دعماً فنياً شاملاً لسوريا في قطاعات حيوية الدلال المفرط.. حين يتحول الحب إلى عبء نفسي واجتماعي من "تكسبو لاند".. شركة تركية تعلن عن إنشاء مدن صناعية في سوريا وزير المالية السعودي: نقف مع سوريا ومن واجب المجتمع الدولي دعمها البدء بإزالة الأنقاض في غزة وتحذيرات من خطر الذخائر غير المنفجرة نقطة تحوّل استراتيجية في مسار سياسة سوريا الخارجية العمل الأهلي على طاولة البحث.. محاولات النفس الأخير لتجاوز الإشكاليات آلام الرقبة.. وأثر التكنولوجيا على صحة الإنسان منذر الأسعد: المكاشفة والمصارحة نجاح إضافي للدبلوماسية السورية سوريا الجديدة.. دبلوماسية منفتحة تصون مصلحة الدولة إصدار صكوك إسلامية.. حل لتغطية عجز الموازنة طرق الموت .. الإهمال والتقصير وراء استمرار النزيف انضمام سوريا إلى "بُنى".. محاولةٌ لإعادة التموضع المصرفي عربياً تجربة البوسنة والهرسك .. دروس لسوريا في طريق العدالة والمصالحة المبعوث الأميركي إلى سوريا: "سوريا عادت إلى صفنا" إصدار اللوحات الدائمة للمركبات في دير الزور