الثورة- علي إسماعيل:
نحو سياسة أكثر اتزاناً وهدوءاً، تتجه الدبلوماسية السورية بثبات، بعد سنوات من الصراع والاصطفافات الإقليمية، في مشهد يفتح الباب لتساؤلات كثيرة: هل بدأت دمشق فعلاً بكتابة فصل جديد في دبلوماسيتها؟
في لقاء مع قناة الإخبارية، وصف وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، التحول في الدبلوماسية السورية بأنه تحول تاريخي يعيد تمثيل سوريا بشكل يليق بتضحيات شعبها، مؤكداً أن الحكومة جاءت من رحم الثورة، وأنها نجحت في نقل صوت السوريين وطموحاتهم إلى العالم، متجاوزة إرث النظام السابق القائم على الابتزاز السياسي، وأن الدبلوماسية السورية اليوم منفتحة على الحوار، وتسعى لمعالجة العقوبات الاقتصادية وتعزيز العلاقات الدولية، وأن سوريا الجديدة تبتعد عن الاستقطاب، وتبني مستقبلها بثبات، معتبراً الدبلوماسية خط الدفاع الأول في مرحلة الإعمار والسلام.
من حديث الوزير الشيباني يتضح أن السياسة الخارجية السورية تسعى إلى إعادة التموضع الإقليمي والدولي وفق رؤية محددة ومبنية على المصالح الوطنية، وفي هذا السياق، يقدّم الأستاذ المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية، رؤية تحليلية دقيقة تعكس هذا التحول، البعيد عن صراعات المحاور والمكبّل بهموم الماضي، في مرحلة يبدو أن فيها الشرق الأوسط يعيد ترتيب أولوياته، مؤكداً “أنّ توجه الدبلوماسية السورية الجديدة نحو الابتعاد عن الاستقطابات الإقليمية والدولية يمثّل نقطة تحوّل استراتيجية في مسار السياسة الخارجية، ويعبّر عن نضج سياسي ورغبة صادقة في استعادة الدور الطبيعي والمتزن لسوريا على الساحة الإقليمية والدولية”. وقال الكيلاني: لقد شهدت المراحل السابقة أدواراً معقدة، حيث كانت سوريا تُتَّهم بأنها مصدرٌ لتصدير الأزمات في المنطقة، سواء عبر سياسات تدخّل إقليمي أم من خلال انخراطها في ملفات حساسة تجاوزت حدود المصلحة الوطنية، كما ارتبط اسم البلاد، في فترات سابقة، باتهامات تتعلق بتصنيع وترويج المواد المخدّرة، وهو إرث ثقيل لا يتوافق مع طموحات الدولة السورية الحديثة، ويتطلب معالجة جذرية ومسؤولية وطنية واضحة لطيّ تلك الصفحة نهائياً.
وحول أهمية المشهد الداخلي ودوره في دعم التوجه الخارجي وتحقيق الأهداف السياسية والدبلوماسية يؤكد الخبير بالعلاقات الدولية أن المشهد الداخلي اليوم هشّ ومعقّد، والبلاد تواجه تحديات بنيوية في الاقتصاد والإعمار والخدمات، ما يجعل من تركيز الجهد الوطني بنسبة مئة بالمئة على الداخل واجباً لا خياراً، حيث إنّ إعادة بناء الوطن واستعادة ثقة المواطن بالدولة، وتوحيد المؤسسات الوطنية هي مقدمات لا غنى عنها لأي دور خارجي فعّال.
وحول حياد الدبلوماسية السورية الجديدة ومرونتها يقول الكيلاني: في الوقت نفسه، فإنّ النأي بسوريا عن محاور الصراع ليس موقفًا سلبياً أو انسحاباً من المسرح الدولي، بل هو خيار استراتيجي يعكس حكمة وواقعية، فسياسة التوازن والاعتدال تتيح للدولة السورية أن تتعامل مع الجميع على قاعدة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، دون ارتهان أو تبعية لأي جهة، مشيراً إلى أنّ الدبلوماسية السورية الجديدة مطالبة بأن تكون دبلوماسية بنّاءة ومرنة، تستفيد من خبرات السوريين في الداخل والخارج، وتستند إلى قيم الكفاءة والموضوعية والانفتاح، بما يعيد لسوريا حضورها وهيبتها ويؤسس لعلاقات قائمة على التعاون، لا المواجهة.
ويختم الكيلاني حديثه: “يمكن القول إنّ نجاح هذا النهج مرهون بقدرة الدولة على فصل الملفات الداخلية عن التجاذبات الخارجية، والتعامل مع العالم بلغة القانون الدولي والمصالح المتبادلة، وبروحٍ جديدة تُجسّد عنوان المرحلة بأن سوريا الجديدة دولة تركّز على البناء لا على الصراع، وعلى المستقبل لا على الماضي. بين الواقعية، والمسؤولية الوطنية، والانفتاح المدروس على العالم، والتحديات والفرص، تبرز سوريا الجديدة كاحتمال واقعي لا كحلم بعيد، إذا ما تضافرت الإرادة السياسية مع رغبة الناس في السلام والبناء.