الثورة – راغب العطية:
إنها الدبلوماسية الإيجابية التي تحمل هموم السوريين في كل المنابر الدولية، وتسعى إلى تجسيدها بكل معانيها وتجلياتها، على المستويين الداخلي والخارجي، ففي حين يعمل الفعل الدبلوماسي في ساحة السياسة الخارجية بهدف توثيق علاقات سوريا مع دول العالم وتطويرها، خدمةً للشعب السوري ومصالحه الوطنية، فإنّ هذه السياسة تنعكس إيجاباً على الداخل السوري الذي يعيش في هذه المرحلة أهم فترة في تاريخه المعاصر.
ووفق هذا النهج الذي اعتمدته سوريا الجديدة، كانت نتائج الجهود الدبلوماسية منذ سقوط النظام البائد إلى يومنا هذا، نتائج إيجابية بامتياز، تحقق خلالها الكثير من النجاحات على الصعيدين الخارجي والداخلي، ومن أبرزها رفع العقوبات الأميركية والأوروبية كخطوة أولى نحو البناء وإعادة الإعمار، وإعادة العلاقات مع العديد من الدول بعد فترة طويلة من الانقطاع، وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، في المقابلة التي أجرتها معه أمس السبت قناة الإخبارية السورية.
وحول هذا اللقاء يقول الأستاذ في الإعلام السياسي بكلية العلوم السياسية بجامعة دمشق، والباحث في مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجامعة، الدكتور أيمن عبد العزيز: إن الشيباني كان واضحاً عندما أكد على الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية السورية في مرحلة ما بعد التحرير، ومن أبرزها التحوّل التاريخي في السياسة الخارجية لجهة تمثيل سوريا بالشكل اللائق، والتعبير عن مكانتها الحضارية، والابتعاد عن أساليب البلطجة والدبلوماسية الاستفزازية التي كان ينتهجها النظام المخلوع، إنها دبلوماسية منفتحة على الحوار والتعاون مع جميع دول العالم، تهدف إلى جعل سوريا جسراً بين الشرق والغرب بفضل دورها الحضاري وموقعها الجغرافي المتميز.
وكذلك وضع خطة موضوعية وانتهاج سياسة واقعية، غايتها تحقيق مصالح الشعب السوري، ومعالجة الإرث السيئ للنظام السابق، من خلال السعي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، تمهيداً لانطلاق عملية إعادة الإعمار، للانتقال من الاقتصاد المدمّر إلى اقتصاد مزدهر، بالإضافة إلى العمل على ضمان وصيانة مصالح الدولة السورية في أي حوار أو لقاء مع الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً، في إطار عملية إقناع بأن سوريا قادرة على تكريس وتعزيز العيش المشترك بين أبنائها، والانتقال إلى مستقبل مشرق يُبنى فيه مفهوم دولة المواطنة، بعيداً عن التشويه الذي سبّبه النظام البائد لصورة الدولة والمواطن السوري، بحسب الدكتور عبد العزيز.
وأوضح عبد العزيز أن السياسة السورية قامت منذ انتصار الثورة على منع التدخلات الخارجية في الشأن السوري، من خلال السعي نحو بناء سياسة خارجية مستقلة لا تتأثر بالعوامل الخارجية، وأن العمل جارٍ وفق مخطط يهدف إلى إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار والدول الفاعلة عالمياً، وهذا يتطلب جهداً دبلوماسياً مستمراً لتحسين صورة سوريا خارجياً، على قاعدة صيانة المصالح الوطنية، لافتاً إلى إشارة الشيباني خلال لقائه مع “الإخبارية” إلى أن خطاب السيد الرئيس أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثمانين، كان عاطفياً وإنسانياً، وركّز فيه على معاناة المواطن السوري من قمع وإجرام نظام الأسد، وتطلّعه إلى العيش بسلام وأمان، وإقامة علاقات سلمية مع جميع دول العالم، مؤكداً أن سوريا لا تُشكّل خطراً على أحد.
وأشار الأستاذ في الإعلام السياسي إلى سعي دمشق لبناء علاقات تعاون وتنسيق على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع الدول العربية، ومنها العلاقة بين سوريا ولبنان، مشدداً على أهمية حل ملف اللاجئين السوريين في لبنان بطريقة منظمة ومدروسة، إلى جانب ضرورة معالجة ملف الموقوفين السوريين هناك.
وفي ملف العلاقات مع روسيا، نوه عبد العزيز بنجاح تحييد موسكو خلال معركة ردع العدوان، لقاء وعود بحفظ مصالحها في سوريا، وإعادة التفاوض معها على اتفاقيات جديدة تراعي السيادة السورية، إذ تُعدّ الاتفاقيات الموقعة مع النظام السابق باطلة ومرفوضة، ويُجرى حالياً العمل على صياغة اتفاقيات جديدة تؤكد على سيادة الدولة السورية.
وحول طبيعة الوجود الروسي في سوريا، قال عبد العزيز: يجب أن تكون العلاقة مفيدة ومتوازنة لكلا البلدين، لأن النظام البائد أساء لهذه العلاقة، ويجري الآن العمل مع الجانب الروسي لإعادة بنائها وتنظيمها بشكل يخدم مصالح سوريا أولاً.
وفيما يخص العلاقة مع الصين يرى عبد العزيز أن ما أكد عليه الشيباني حول الجهود المبذولة لتنظيم العلاقة السورية- الصينية، وحديثه عن زيارة متوقعة قريباً إلى بكين لترتيب العلاقات بين البلدين على أسس راسخة، يصب في مصلحة الشعب السوري.
وشدّد الباحث في مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق على ضرورة ضمان وحدة الأراضي السورية ومنع التدخلات الخارجية، وقال: ملف السويداء، ملف وطني وإنساني، لا يجوز استغلاله سياسياً، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي، يحاول عبر بعض ضعاف النفوس، توظيف الملف لتحقيق مصالحه، مشيراً إلى أن على الدولة السورية أن تعتمد في معالجة هذا الملف الشائك على الأشقاء والأصدقاء، مثل الأردن والولايات المتحدة، مع التركيز على، جبر الضرر وتعويض المتضررين، وتقصّي الحقائق ومحاسبة من ارتكب مخالفات، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، وجمع التبرعات لدعم المحافظة، باعتبار السويداء جزءاً أصيلاً من الجسد السوري.
وشدّد عبد العزيز على أهمية الإسراع في تنفيذ اتفاق آذار مع “قسد”، والاندماج ضمن إطار الدولة السورية لتحقيق المصلحة الوطنية، منوهاً بتأكيد وزير الخارجية والمغتربين على أن العمل الدبلوماسي السوري سيبقى صوتاً للحق، ودرعاً يحمي السيادة الوطنية، وجسراً يربط سوريا بالعالم على أسس من الاحترام والمصالح المتبادلة.