الثورة أون لاين- ميسون حداد:
أتى عيد الميلاد هذا العام استثنائياً في العالم كله في ظل جائحة كوفيد-19، وبخصوصية أكبر مرّ على السوريين في ظل الحصار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
رغم بعض أجواء الفرح التي ومضت بخفر هنا وهناك إلا أنها لم تكن سيدة المشهد، البهجة وإن تسلّلت عبر اليوميات الصعبة، إلا أنها لم تبلغ صدارة الوجوه.
للميلاد خصوصيته في كافة تفاصيله، تعكس ملامحه بعض الحكايات والأغاني الخاصة، وكانت هذه، هي التي تحفظ الموروث عبر التاريخ من عادات وتقاليد تعكس وجه المجتمع وطابعه.
إذا استعرضنا بعض المعاني من الأغنيات الميلادية المعروفة، كالتي زينت بها السيدة فيروز مواسمنا، تقول: “روح زورهن ببيتهن، بيتهن فقير ما عندهن شي..” ..” عم يتلاقوا الأصحاب، في هدية خلف الباب..” … ومن الترانيم الشهيرة في الموسم “عندما نسقي عطشانا كأس ماء نكون في الميلاد، عندما نكسي عريانا ثوب حب نكون في الميلاد.. الخ” والأمثلة كثيرة..
عندما نقول “عيد”، أي عيد، هو مرتبط بالأذهان بالفرح، في كافة صعده ومجالاته، هذا الفرح ترسم صوره الأناشيد والأغاني، الكلمات التي استوقفتنا هنا، يبدو لنا من خلالها أنّ الفرح عرفه الناس من خلال المشاركة.
الفرح يكمن في اللقاء بداية، وتبادل الوجوه والهدايا “عم يتلاقوا الأصحاب.. في هدية خلف الباب”، الإنسان للإنسان هدية، وفي كل لقاء نتبادل شيئاً منّا مع الآخرين، هذه أعظم الهدايا، وإن كان في تبادل الهدايا كثير من الفرح عبّرت عنه الأمثال الشعبية “أنا غنية وبحب الهدية”.
نجد في عاداتنا، وفي كل الأعياد، على اختلاف البيئات، والانتماءات، تجتمع العائلة، هذا كان نمط حياة في الماضي، أما اليوم، حيث يأخذ العمل منّا وقتنا وجهدنا، وبتنا ننحو باطراد نحو الفردية، بات اجتماع العائلة عيداً يحمل الدفء وسط أمواج الصقيع المتلاطمة.
البعد الآخر للمشاركة هو مشاركة من هو في عوز، “روح زورهن ببيتهن، بيتهن فقير ما عندهن شي..” والعوز على أنواع، هناك الحزين والمتألم والفقير، وكلّنا في وقت أغنياء ولدينا ما نشارك به الآخرين، كلّنا نحمل من غنى، غير المال.
في الظروف لتي نعيشها اليوم كسوريين، منذ بداية الأزمة، وإلى اليوم، في كلّ بيت هناك حزين وموجوع، هناك أمّ تغازل مع شمس كل صباح ابنها الشهيد، علّها تجد في دفئها ما يخفف مرارة قلبها، هناك من أرادته الحرب خليل الإعاقة، هناك أيتام لا معيل لهم ولا من يحتضن مسيرتهم في الحياة، ويقوم طرقهم بحب، أما الوضع المعيشي الخانق لشريحة كبيرة، جداً، فقد أوصد باب الفرح بأقفال محكمة.
بعض علماء الاجتماع يقولون إنّ كلّ أزمة هي فرصة للنمو والنضوج، بعيداً عن مرارة توصيف الواقع، وفي هذه الأيام التي حملت من القسوة ما حملت، نستطيع أن نجعل منها فرصة للمشاركة..
مشاركة الفرح مع الفرحين والبكاء مع الباكين، بدءاً من قدرتنا على مسح دمعة، إلى مشاركة التفاصيل، إلى المشاركة الأصعب.. المال..
لا تقاس المشاركات المالية بحجمها فقط، بل بهدفها وغاياتها، إنها تأتي من إحساس الإنسان بالإنسان، من شغفه بأن يكون النعيم مشتركاً، من رغبة في تقاسم الفرح، نعم مشاركة المال، معيار ملموس للحب بعيداً عن توريد المشاعر وحدها..
ترى لو كان لدى تجارنا الأكارم، تجار لقمة العيش، شيء من حس، فهل كان هذا حالنا؟
ربما سيقول لي قائل، أنت تكتبين عن أحلام يقظة، أقول ربما، هي أحلام إذا كان الكلام على صعيد عبدة المال، لكن..
اسألوا مريض كورونا أنهكته التجربة، ماذا عنى له سؤال أصدقائه، واسألوا المحجور ما قيمة اتصال يكسر وحدته مع المرض، واسألوا المحزون عن التعزية، والطفل عن ثوب جديد في العيد، والبيوت المقفرة عن رائحة الزفر عندما تزورها..
ربما هي أحلام يقظة إذا توجهنا إلى حيتان المال بالكلام، ولكن الحياة لا تبدأ ولا تنتهي عندهم، هي مبادرات بسيطة ببعد كبير، مشاركة ما نستطيع، من الحب، إن كان عبر العلاقات أو العمل أو المال، هذا التعاضد هو ما نحتاج، بيقين أن كل تقدمة تغنينا، وأن الخير موفور..
هكذا نصنع عيداً كل يوم، عندما يكون الإنسان أولاً، هذه تجربة تستحق أن نخوضها، هذه تجربة تبني الأوطان، لأنها تُبنى ببناء الإنسان.. كل عام وأنتم في عيد، كل عام وأنتم بخير.