الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
قبل تنحي روبرت غيتس من منصبه كوزير للدفاع، تناقل الأمن القومي حديثا له أمام طلاب الجيش في ويست بوينت أدلى خلاله باعتراف لافت يقول فيه: (إن الجيش الأمريكي بحاجة إلى حرب أخرى شبيهة بحربي العراق وأفغانستان)، وقدم غيتس نصيحة في ذلك اليوم “يجب على أي وزير دفاع مستقبلي أن ينصح الرئيس بإرسال جيش بري أمريكي كبير مرة أخرى إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا”.
مجتمع الأمن القومي الأمريكي أخذ كلمات غيتس على محمل الجد إلى حد ما، بينما تجنب الجيش الأمريكي عمليات الانتشار واسعة النطاق التي اتسم بها غزو العراق واحتلاله، ولاتزال الولايات المتحدة تجد نفسها في حالة حرب، واستبدلت عملياتها الحربية الصريحة التي تم تزويدها بالموارد الكاملة في العام الماضي، بحملات عسكرية أصغر حجمًا ولكنها غير محددة في سورية والصومال وأفغانستان والعراق، والتي قد تكلف دافع الضرائب الأمريكي بشكل أقل، بينما قد يكون هناك عدد أقل من الأفراد العسكريين الأمريكيين على الأرض، والمهام التي أمر هؤلاء الأفراد بتنفيذها محددة بشكل غامض وغير قابلة للتحقيق، مثل مشروع “بناء الديمقراطية” “المزعوم” لإدارة بوش في العراق.
يبدو أن مؤسسة الدفاع عن “الديمقراطيات” غير موافقة، ففي مقال لديفيد أديسنيك حول الوجود الاميركي في سورية، يقول: (إن العمليات العسكرية الأميركية الحالية في سورية يجب أن تكون مثالاً في كيفية صنع الحروب في المستقبل دون تدخل الجندي الأمريكي على الأرض)، فهم يجادلون بأن العمل مع شركاء محليين على الأرض مثل ميليشيات ” قسد”، يمكن للولايات المتحدة أن تحقق نتائج خارقة بتكلفة قليلة للغاية ومخاطر أقل لقواتها.
اعتمدت الحملة العسكرية الأمريكية ضد تنظيم “داعش” في سورية بشكل كبير على القوات المحلية للقيام بالجزء الأكبر من القتال، ما يعني أن الأمريكيين لم يكونوا هم من يقاتلون في الأحياء، بل يتفادون المنازل المفخخة كما لو كانوا في الفلوجة بالعراق في عام 2004 أو في “مرجة” بأفغانستان في عام 2010.
القوات الأمريكية الخاصة، والوحدات التي تقودها “قسد” بالوكالة، والقوة الجوية الأمريكية قاتلت في سورية معاً، وبحلول الوقت الذي انتهت فيه العمليات الرئيسية، قتل عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين، ومن المؤكد أن عددا أكبر بكثير من الأمريكيين العسكريين كان من الممكن أن يموتوا لو أنهم قاموا بهذه المعارك بأنفسهم، هذه هي استراتيجيتهم حول التكتيكات العسكرية الجديدة.
وفي هذا الصدد، يستخف المراقبون بمخاطر الوجود الأمريكي الدائم في سورية، ويبالغون في قدرة واشنطن على نحت سورية بالشكل الذي تريده، لاحظ أديسنيك أن “العمليات الأمريكية في سورية أثبتت أن الجهود طويلة المدى مستدامة، وتتطلب التزامًا بالأصول العسكرية المتواضعة المنتشرة كدور داعم إلى حد كبير”، ولسوء الحظ، يشهد الأمريكيون بالفعل هذه الظاهرة تتجلى في سورية، في الواقع تدعي سياسة الولايات المتحدة في سورية أنها موجهة لهزيمة داعش – ولكن الحقيقة أنه تم القضاء على داعش من قبل القوات السورية وحلفائها – وبالتالي قد انتهى سبب الوجود الأميركي في سورية وعليهم أن يسحبوا الجنود الأمريكيين للاحتفال بالأعياد مع عائلاتهم.
لكن للأسف، فإن سياسة إدارة ترامب تجاه سورية لا تتعلق بمكافحة الإرهاب بقدر ما تتعلق بإضعاف نفوذ إيران والضغط على الحكومة السورية، وهما هدفان لا يمكن تصورهما مثل تسلق جبل ايفرست مع تي شيرت وشورت، لكن لا تأخذ كلامي على محمل الجد، استمع إلى كلمات المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جيمس جيفري، الذي اعترف في وقت سابق من هذا الشهر بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية ليست سوى جزء فرعي من سياسة الضغط الأقصى والأوسع على إيران، ولفهم سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية اليوم، يجب أن ندرك مدى تطور مهمة الولايات المتحدة في البلاد.
تحولت أهداف الولايات المتحدة في سورية من مهمة مباشرة نسبياً “مكافحة الإرهاب” والحرب ضد داعش إلى حملة شبه مستقرة في شمال شرق سورية، حيث تتم إعادة توظيف القوات الأمريكية كحامية لحقول النفط في سورية من أجل حرمان الشعب السوري من ثرواته التي هو بأمس الحاجة إلى إيراداتها في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.
الهدف الأمريكي في سورية ليس معاداة “داعش” بقدر ما هو معاداة إيران ومعاداة الجيوسياسية السورية، والسؤال الذي يطرح نفسه ما مدى أهمية سورية بالنسبة للولايات المتحدة؟ هل ستؤدي سورية إلى تعقيد قدرة واشنطن على إبراز قوتها في المنطقة إذا احتاجت إلى ذلك؟ هل الوجود الإيراني والروسي الأكثر رسوخًا في سورية سيعيد ترتيب الشرق الأوسط بأكمله؟. أولئك الذين ينخرطون في هذه الأعمال المسرحية لديهم ذكريات قصيرة، ويبدو أنهم غافلون عن حقيقة أن طهران وموسكو تربطهما علاقات قوية مع الحكومة السورية منذ حقبة الحرب الباردة.
كانت إيران الشريك الإقليمي الأكثر أهمية لسورية منذ فجر الجمهورية الإسلامية حتى اليوم، وتتمتع موسكو ودمشق بصلات عسكرية واقتصادية وسياسية واسعة مع بعضهما البعض منذ خمسينيات القرن الماضي على الأقل، لذلك من الصعب على الليبرالية الأمريكية أن تقبل بانتصار سورية الصديقة لروسيا، وهي تعتبره بمثابة تطور يغير قواعد اللعبة في النظام الإقليمي، لذلك دائما نرى أن الإدارة العسكرية تقدم لنا المزيد من الحجج لعدم انسحابها المباشر من المنطقة ويقولون: “نحن جميعًا لا نريد حروب أمريكا إلى الأبد، لكن لا يمكننا الانسحاب التعسفي وترك مساحة يملؤها خصومنا.
بقلم: دان ديبتريس