الثورة أون لا ين – ترجمة ميساء وسوف:
عندما أمر الرئيس الأمريكي ترامب وبشكل غير قانوني باغتيال القائد قاسم سليماني في كانون الثاني من هذا العام، اصطف مسؤولو إدارة البيت الأبيض وراء الذريعة القائلة بأن الهدف كان بمثابة “استعادة الردع” ضد الهجمات الصاروخية التي قامت بها القوات العراقية المدعومة من إيران، حسب زعمهم.
هذا على الرغم من أن هذه الهجمات استمرت على مدى عام كامل وكما كانت من قبل، إلا أن الولايات المتحدة تعود إلى نفس الأسلوب القديم بإطلاق التهديدات بشأن القيام بعمل عسكري رداً على الهجمات التي لم تكن لتحدث لولا تصرفات الرئيس ترامب المتهورة، ومع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال سليماني، تنجرف أمريكا مرة أخرى نحو صراع غير ضروري ويمكن تجنبه.
فلولا حملة عقوبات “الضغط الأقصى” ضد إيران من قبل الرئيس ترامب، لكانت القوات الأمريكية في العراق ستواجه مخاطر أقل بكثير مما تواجهه اليوم، وحتى أن احتمال نشوب أي صراع سيكون أقل بكثير، كما أنه لولا قرار الرئيس ترامب بإصدار الأمر بشن هجوم استفزازي غير قانوني لاغتيال سليماني والمهندس، لما كانت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بالقدر الذي هي عليه الآن، لقد كان خيار القتال هو النهج الذي اتبعه ترامب تجاه إيران خلال الأعوام الماضية، وتلا ذلك إلقاء اللوم على الجانب الإيراني للرد على استفزازاته، ولحسن الحظ فإن الاستفزاز الأميركي لم يتسبب حتى الآن بنشوب نزاع أكبر بين الجانبين.
من جهة أخرى، ترفع الحكومة الإسرائيلية درجة التصعيد وذلك بإرسال إحدى غواصاتها باتجاه الخليج، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، عبر قناة السويس في إشارة إلى استعدادها للرد على أي انتقام إيراني محتمل على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في تشرين الثاني الماضي.
ويعتبر هذا الانتشار الإسرائيلي بمثابة تحذير واضح بأن “إسرائيل” تستعد للمعركة مع استمرار تصاعد الأعمال العدائية.
وتتم الإشارة، في وسائل الإعلام، الى أنّ إرسال الغواصة الإسرائيلية هو “رسالة ردع”، لكنّه في الحقيقة هو تخوف إسرائيلي نتيجة للاغتيال غير الحكيم وغير القانوني والذي نُفّذ داخل إيران، فلو لم ينفذ الإسرائيليون هجومهم الإرهابي داخل الأراضي الإيرانية، لما كانوا قلقين الآن من انتقام محتمل، ويبدو هنا أنّ هناك مشكلة أساسية مع التأطير المتشدد للتغطية الإعلامية المتعلقة بإيران، كما أنّ هناك إساءة في الاستخدام المستمر لمفهوم “الردع” الذي تستعمله كل من الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.
فعندما يتحدث “الصقور” في الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية عن “استعادة الردع”، فإن ما يقصدونه حقاً هو أنهم يريدون ارتكاب أعمال عدوانية، ولكنهم يقومون بالترويج لها إعلامياً على أنها أعمال دفاعية، إنّ عملية اغتيال سليماني ليس لها أي علاقة بردع الهجمات المستقبلية، وكذلك الأمر بالنسبة لجريمة اغتيال العالم الإيراني النووي فخري زاده، لقد كان الأمران مجرّد قتل غير مبرر قامت به كل من الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية، والآن ترى كل منهما أنه يتعين عليهما القيام باستعراضات إضافية للقوة وإصدار تهديدات جديدة لدرء الردود المحتملة على مثل هذه الأعمال العدوانية، وقد عرّضت هذه الأعمال العدوانية الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء لمخاطر أكبر مما واجهوه سابقاً، بدلاً من جعلهم أكثر أماناً.
ففي ضوء التقارير التي تفيد بأن الرئيس ترامب المنتهية ولايته قد طلب خيارات عسكرية لمهاجمة إيران، وتقارير أخرى تفيد بأن “إسرائيل” كانت تستعد لمثل هذا الاحتمال، يتعين التعامل بجدية مع احتمال وقوع هجوم أمريكي أو أمريكي إسرائيلي مشترك على إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم وجود أي مبرر على الإطلاق لمثل هذا الهجوم، لكن هذا لا يضمن عدم حدوثه، كما يجب التأكيد على أن أياً من هذا لم يكن ليحدث لو لم تتخذ إدارة ترامب الخطوة المتهورة والمدمرة للتراجع عن خطة العمل الشاملة المشتركة، وشنها حربا اقتصادية خانقة على إيران، وبناءً عليه فإنّ كل ما سيحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة يمكن إرجاعه إلى تلك الأسباب، والرئيس ترامب سيكون هو وحده المسؤول عن العواقب.