الثورة – منهل إبراهيم:
تشهد القارة الآسيوية سباق تسلح يترافق بتوترات جيوسياسية وعسكرية متصاعدة، وتبدو المواجهات العسكرية الأخيرة في آسيا محكومة بقاعدة واحدة، لا غالب ولا مغلوب، أو لا وجود لنصر نهائي لأي طرف على الآخر، حتى لو أعلن أطراف الصراع نصراً مطلقاً، كما حصل مؤخراً في المواجهة بين إسرائيل وإيران، والهند وباكستان، فبين صراعات طويلة ومواجهات قصيرة لكن مكثفة، تظهر النتائج النهائية غامضة، وكأن الجميع يخرج بانتصار ما، أو هزيمة غير واضحة المعالم.
وكشفت بيانات صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن الهند احتلت المرتبة الثانية عالمياً في واردات السلاح بين عامي 2020 و2024، بعد أوكرانيا، إذ استحوذت على نحو 8.3 في المئة من مجمل واردات الأسلحة العالمية، مقابل 8.8 في المئة لأوكرانيا.
ورغم هذا الترتيب المتقدم، سجلت واردات الهند انخفاضاً طفيفاً مقارنة بالفترة السابقة (2015–2019) بنسبة بلغت نحو 9.3 في المئة، في ظل سياسة حكومية تهدف إلى تعزيز التصنيع العسكري المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، لا سيما على روسيا.
ولا تزال موسكو تعد المورد الرئيسي للسلاح إلى الهند، لكنها شهدت تراجعاً لافتاً في حصتها، التي انخفضت إلى ما بين 36 و38 في المئة من إجمالي واردات نيودلهي، بعدما كانت 55 في المئة خلال الفترة السابقة، و72 في المئة بين عامي 2010 و2014.
في المقابل، حققت فرنسا صعوداً بارزاً، لتصبح الهند أكبر زبون للسلاح الفرنسي، مستحوذة على 28 في المئة من صادرات باريس إلى الخارج، كما حافظت “إسرائيل” على موقعها كمورد رئيسي للهند، بحصة تقدر بنحو 34 في المئة من واردات البلاد العسكرية.
أما باكستان، فقد سجلت نمواً لافتاً في واردات الأسلحة خلال الفترة ذاتها، بزيادة قدرها نحو 61 في المئة مقارنة بالفترة ما بين 2015 و2019، وبهذه القفزة، أصبحت خامس أكبر مستورد للسلاح في العالم، بنسبة 4.6 في المئة من إجمالي واردات الأسلحة العالمية.
وتبدو بكين اللاعب الأبرز في تسليح باكستان، إذ وفرت لها نحو 81 في المئة من وارداتها خلال 2020–2024، مقارنة بـ74 في المئة في الفترة السابقة، وحلّت دول مثل هولندا وتركيا في مراتب تالية، وفي الفترة 2016–2020، كانت باكستان في المرتبة العاشرة عالمياً، مع نسبة 2.7 في المئة من إجمالي الواردات، اعتمدت خلالها بشكل أساسي أيضاً على الصين.
وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد احتلت المرتبة 15 عالمياً على قائمة مستوردي الأسلحة في الفترة من 2020 حتى 2024، بحصة بلغت حوالي 1.9 في المئة من السوق العالمي، وتصدّرت الولايات المتحدة قائمة المورّدين لإسرائيل، بنحو 66 إلى 69 في المئة من إجمالي وارداتها، تلتها ألمانيا بنسبة تقارب 30 إلى 33 في المئة، في صفقات شملت غواصات وقطعاً بحرية وذخائر ومكونات دفاعية.
وسجلت إيران أدنى مستويات استيراد للسلاح في الشرق الأوسط خلال الفترة ذاتها، بفعل العقوبات المفروضة عليها، ما دفعها إلى التركيز على تطوير قدراتها الذاتية، خاصة في المجال الصاروخي، وهو ما برز خلال المواجهات الأخيرة مع إسرائيل.
وقبل الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران بأسبوع واحد فقط، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عن أن طهران طلبت مؤخراً “آلاف الأطنان من مكونات الصواريخ الباليستية من الصين” وبيّنت الصحيفة أن “الكمية المطلوبة تكفي لإنتاج نحو 800 صاروخ باليستي”.
ورغم أن هذا الاستعراض للتسلح يركز على بعض الدول فقط، إلا أنه يعكس بوضوح حجم سباق التسلح في قارة آسيا، القارة الأكبر جغرافياً وسكانياً، حيث تلقي هذه التوجهات العسكرية بظلالها على أمن المنطقة وتوازناتها المستقبلية.