الثورة – نورجوخدار:
في خطوة تعكس التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والعالم، ألغت الإدارة الأميركية رسمياً تصنيف “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية أجنبية، وفق مذكرة صادرة عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، نقلتها وكالة “رويترز”.
ويأتي القرار تحقيقاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جعل سوريا دولة مستقرة وموحدة وسلمية، وإنهاء عزلتها عن النظام المالي العالمي، ودعم حكومة الرئيس أحمد الشرع في مرحلة إعادة الإعمار.
وبموجب هذا القرار، تلغى تلقائياً العقوبات الاقتصادية المفروضة على الهيئة، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر التعاملات المالية، كما فوض ترامب بموجب أمر تنفيذي أصدره في 29 حزيران الماضي، وزير الخارجية بالتعاون مع وزير الخزانة والنائب العام باتخاذ ما يلزم من إجراءات مرتبطة بتصنيف (هيئة تحرير الشام).
وبحسب القانون الأميركي ووفقاً لموقع وزارة الخارجية، يجوز لوزير الخارجية إلغاء تصنيف أي جهة إذا تغيرت الظروف التي أدت إلى تصنيفها، أو وفقاً لمصلحة الأمن القومي الأميركي.
وفي تموز 2016، أعلنت هيئة تحرير الشام فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة وتغيير اسم الجبهة إلى “جبهة فتح الشام”، في محاولة لفك الارتباط بالتصنيفات الإرهابية.
ويرى محللون أن إلغاء التصنيف الأميركي يعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات الأميركية السورية ويعالج أزمة الأخيرة من جذورها، ويمثل توجهاً جديداً في استيعاب القوى الفاعلة في الداخل السوري ضمن ترتيبات ما بعد سقوط النظام المخلوع. وأن القرار يشكل أيضاً، إشارة سياسية تفتح هامش تحرك دبلوماسي واسع أمام حكومة الشرع، لاسيما مع اندماج شخصيات من الهيئة ضمن تشكيلتها، وهي نجحت في “سورنة” وجودها، عبر تحول وطني يجعلها لاعباً مركزياً في مكافحة الإرهاب.
كما ويرى باحثون أن واشنطن أدركت أهمية سد الفراغ الذي استغلته إيران وروسيا في سوريا، ما دفعها لتبني هذه المقاربة تجاه سوريا الجديدة.
على الصعيد الاقتصادي، يسهم القرار في تخفيف المخاطر القانونية والمالية أمام المستثمرين الدوليين، خاصة بعد توجه الهيئة تدريجياً نحو إدارة مدنية، كان أبرزها في إدلب، الأمر الذي عزز من شرعيتها وعلاقتها بالجهات الدولية، وأسهم في وصولها إلى السلطة بعد انهيار نظام بشار الأسد.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في مركز جسور وائل علوان أن القرار الأميركي يعزز العلاقات بين قيادات الهيئة والجهات الدولية، خاصة مع اندماج شخصياتها في الحكومة الانتقالية، لكنه يشدد على ضرورة توسيع المشاركة السياسية لتشمل قوى وطنية أخرى، لتلبية حاجة الدولة لطاقات متنوعة.
ويعتبر علوان، وفق ما نقلته “الجزيرة نت” عنه، أن رفع التصنيف يخفف المخاطر القانونية والمالية، مشجعاً المستثمرين الدوليين على التعامل مع الحكومة الجديدة، على اعتبار أن “رأس المال جبان، ويحتاج إلى مؤشرات استقرار وشرعية” حسب وصفه.
وبحسب محللين أيضاً، فإن رفع التصنيف ليس مجرد إجراء قانوني، بل خطوة تحمل أبعاداً إقليمية ودولية، من شأنها إعادة رسم خارطة القوى في سوريا، حيث باتت واشنطن تستعد لمرحلة ما بعد الحرب بمفردات جديدة.
وزارة الخارجية والمغتربين، كانت قد وصفت – في بيان مكتوب نقلته “رويترز” – القرار الأميركي بأنه “خطوة إيجابية” نحو تصحيح مسار كان يعوق التواصل البنّاء في السابق.
وأعربت الوزارة عن أملها في أن تسهم هذه الخطوة في رفع القيود المتبقية التي لا تزال تؤثر على المؤسسات والمسؤولين السوريين، وفتح الباب أمام نهج عقلاني قائم على احترام السيادة في التعاون الدولي.
ولا شك بأن القرار الأميركي بإنهاء تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية، يعكس قراءة أميركية جديدة ورسالة بأن مرحلة ما بعد الأسد لن تشبه ما قبلها.