الثورة – لينا شلهوب:
في مشهد لافت يعكس تحوّلاً ملموساً في نهج الدولة تجاه ملف الفساد، شهدت الأيام القليلة الماضية توقيفات جاءت على خلفية قرارات قضائية غير مسبوقة، طالت شخصيات بارزة في مفاصل حكومية ومهنية حساسة (في حكومات النظام المخلوع)، فبعد أن تم الإعلان عن توقيف وزيرتي الشؤون الاجتماعية والعمل، ومن ثم وزير التربية، جاء خبر إلقاء القبض اليوم على نقيب المحامين فراس مظهر الفارس، ليضيف بعداً جديداً إلى جدّية السلطات المعنية محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين، بغض النظر عن مواقعهم أو انتماءاتهم.
التحقيقات الأولية، كما أشيع، تُظهر تورط النقيب الموقوف مع ضباط أمن سابقين في قضايا ابتزاز ممنهج استهدفت تجاراً ومحامين، الأمر الذي يسلّط الضوء على حجم التشابكات الخطيرة التي ظلّت لعقود تعكّر صفو الحياة العامة وتضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
غير أن ما يجري اليوم لا يمثّل فقط عملية فضح لملف فساد مزمن، بل يحمل في طيّاته رسالة قوية وذات بعد استراتيجي، بأن لا أحد فوق القانون، إنها لحظة مفصلية، تُعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمواطن، وتؤسس لمناخ من الطمأنينة والثقة بأن المحاسبة قادمة، وأن العدالة ليست حكراً على الضعفاء.
تفعيل مبدأ المساءلة بهذا الشكل العلني والشفاف، يؤكّد أن الدولة لم تعد تقبل بأنصاف الحلول، وأنها تعي أن إعادة بناء المجتمع يبدأ من تنظيف المؤسسات، وتمكين القانون من أن يأخذ مجراه دون مجاملة أو تسييس.
هذه الإجراءات- وإن بدت صادمة للبعض، إلا أنها ضرورية ومطلوبة في هذا التوقيت، حيث تتطلب المرحلة الراهنة استعادة ما تبقى من الثقة العامة، وإثبات أن الدولة ليست متفرجاً بل فاعلاً حقيقياً في ميدان الإصلاح.
إن الشعب السوري، الذي دفع أثماناً باهظة على مدار سنوات، يستحق اليوم أن يرى نتائج ملموسة تؤكّد أن التغيير ليس شعاراً فضفاضاً، بل ممارسة حقيقية تبدأ بمحاسبة من عبثوا بمقدراته، وتصل إلى بناء منظومة حكم رشيدة تُعلي من قيمة القانون وتكرّس العدالة.
من هنا، فإن هذه الخطوات– رغم حساسيتها– تمثّل نقطة انطلاق نحو سوريا أكثر شفافية واستقراراً، ويصبح تطبيق القانون هو القاعدة، لا الاستثناء، ويشعر المواطن أن كرامته وحقوقه مصانة، لا مرهونة.