الثورة – لينا شلهوب:
بين أروقة عدد من المستشفيات، يقف الممرضون في خطوط المواجهة الأولى، يحملون عبء العناية بالمرضى، ويسهرون على صحتهم، ويقارعون ضغوط العمل اليومي، من دون أن يحظوا بما يستحقونه من تقدير مادي أو معنوي، فبينما تسعى إدارات المستشفيات إلى تحسين الأداء وتطوير الخدمات، يبقى الكادر التمريضي، قلب العملية الصحية، ومعادلته الصعبة، يئنّ تحت وطأة التهميش والإجحاف، وبين الشغف المهني والحرمان الحقوقي.
حقوق مؤجلة
يروي عدد من الممرضين من مستشفى دمشق “المجتهد” أن واقعهم المهني بدأ بالتدهور تدريجياً منذ تحول المستشفى إلى هيئة مستقلة، فقد تم حينها إقرار توزيع مكافآت شهرية للعاملين، في بادرة بدت إيجابية في بدايتها، إلا أن هذه المكافآت سرعان ما باتت حكراً على أقسام محددة كالتخدير والعناية المشددة والطوارئ، مع استبعاد الممرضين العاملين في أقسام لا تقل خطورة أو ضغطاً عن غيرها.
ومع مرور الوقت، تحوّلت المكافآت إلى إجراء “شكلي” بالنسبة للبعض، وبحسب إفادة الممرضين لم تُصرف منذ العام الماضي، وسط وعود ببدء نظام جديد للحوافز التشجيعية، لم يخرج حتى اليوم من أدراج الانتظار.
“الثورة” التقت عدداً من الممرضين الذين أكدوا أنهم لا يطلبون المستحيل، فقط الإنصاف، وبيّن الممرض أحمد قائلاً: بدأنا نشعر وكأننا خارج الحسابات، نتيجة آلية التعويضات، في البداية كنا نتقاضاها كل 3 أشهر، ثم كل 6 أشهر، أما الآن فلم نستلم شيئاً منذ أكثر من عام.
ويتابع زميله، يعمل في قسم الجراحة، طبيعة عملنا لا تقل خطورة أو صعوبة عن أقسام العناية أو الطوارئ، ومع ذلك استُثنينا من المكافآت الخاصة بطبيعة العمل، هذا إحباط حقيقي لكل من يعمل في الظل دون أن يُذكر اسمه أو جهده.
كوادر تستنزف
في المقابل، تعاني المستشفى من تسرّب الكوادر التمريضية المدرّبة، فيما يغيب الالتزام بالخدمة بعد التخرج لدى العديد من خريجي مدارس التمريض، الذين يفضّلون دفع البدل النقدي بدلاً من أداء الخدمة الفعلية، هذا الواقع أفرز فجوة حادة في تأمين الممرضين، لتظهر معاناة أخرى يشير إليها الممرضون تتعلق بتسرّب الكادر التمريضي، وقلة الالتزام من الخريجين الجدد.
وتؤكد إحدى الإداريات أن هناك ممرضات تجاوزن الـ 35 سنة خدمة، وما زلن يعملن من دون بديل، مشيرة إلى ضرورة تفعيل مقترحات تلزم الخريجين بالخدمة الفعلية، خاصة مع اتساع الفجوة بين الحاجة والإمكانات.
ولأن المصاعب لا تأتي فرادى، فإن المواصلات تمثّل عائقاً حقيقياً أمام الكثير من الممرضين، لتخلق أزمة أخرى تضعف من عزيمة الكادر التمريضي، تتمثل في صعوبة الوصول إلى مكان العمل، تقول الممرضة رنا، تسكن في ريف دمشق، التكلفة المادية، والإرهاق الجسدي، يشكلان عبئاً إضافياً لا يتناسب مع الراتب والتعويضات المتواضعة، رغم جهود إدارة المستشفى لتأمين خطوط نقل (بلغ عددها 42 خطاً صباحاً ومساءً) للتخفيف من وطأة التنقل، إلا أن عدد العاملين الكبير وتوزّع أماكن سكنهم يجعل من المواصلات عبئاً يومياً حقيقياً.
علاء يقول: أخرج من منزلي الخامسة صباحاً، وأعود بعد الظهر مرهقاً من العمل والطريق، أتحمّل أجور نقل مرتفعة، وأحياناً لا أجد وسيلة نقل، نحن نُنهك نفسياً ومادياً، ورواتبنا لا تغطي أبسط احتياجاتنا.
الخاص.. يجذب الكفاءات
في ظل هذا المشهد الضبابي، يتجه عدد متزايد من الكوادر التمريضية للعمل في القطاع الخاص، بحثاً عن أجر أفضل وبيئة مهنية محفزة، إذ إن غياب المحفّزات في القطاع العام يجعل من المستشفيات الخاصة خياراً شبه إجباري، رغم أن الحاجة إلى الكوادر في المؤسسات العامة باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
أحد الممرضين الذين غادروا إلى مركز طبي خاص يقول: وجدت في القطاع الخاص ما افتقدته في المستشفى العام، احترام الجهد، ساعات عمل محددة، وتعويضات منطقية، لم أكن أريد المغادرة، لكنني لم أستطع الاستمرار على هذا النحو.
لا يمكن الحديث عن تطوير القطاع الصحي من دون الوقوف عند حال الممرضين– هؤلاء الجنود المجهولون الذين يُديرون يومياً عشرات الحالات في صمت، ويغادرون من دون أن يسمع أحد صوتهم، تحسين واقع الممرضين ليس رفاهية، بل ضرورة لإنقاذ ما تبقى من الثقة بالقطاع الصحي العام، فإذا كان الطبيب يشخّص ويقرر، فالممرض هو من يرعى ويُتابع وينفّذ، وهو من يحتاج اليوم إلى رعاية، لا إلى وعود.
الاستماع إلى نبض المستشفى
مهنة التمريض ليست مجرد وظيفة، بل رسالة إنسانية تتطلب التفاني، الانضباط، والتضحية، لكن لا يمكن الاستمرار بالاعتماد على هذا العطاء المجاني إلى ما لا نهاية، من دون أن يُقابل بتقدير حقيقي، يعيد للممرضين اعتبارهم، ويضمن لهم بيئة عمل عادلة وآمنة، لعلّ الوقت حان للاستماع بجدية إلى نبض “الممرضين” ليخفق قلب المهنة.
دعوة لنقيب الممرضين
يطلب عدد من الممرضين، إعادة النظر في قانون مهنة التمريض من حيث إحداث تغيير جذري في المدارس والكليات والأجور، مع العمل على رفع طبيعة العمل إلى 100 بالمئة أسوة بغيرهم من الأطباء والفنيين والأشعة والتخدير والمعالجة، والأطراف الصناعية والأطباء ومستشفيات الأورام والصيادلة، بالإضافة إلى رفع الحوافز والتكريم، علاوة على أهمية إعادة النظر في التوزيع الجغرافي العادل بين التمريض تحت مظلة قانونية تضمن حق التمريض والدولة.
كذلك إحداث صندوق تقاعد الممرضين، ومنحهم راتباً تقاعدياً من النقابة، وصناديق العجز والوفاة والحوادث، والتكافل الاجتماعي، وتأمين السكن للعاملين بقروض ميسرة، مع ضرورة التوصيف الوظيفي للتمريض وتحديد المهام والمسؤوليات.
التجسير التمريضي وأهميته، وهو برنامج يهدف إلى تمكين خريجي برامج الدبلوم التمريضي من استكمال دراستهم للحصول على درجة البكالوريوس، وهو خطوة نحو تطوير مهنة التمريض وتحسين جودة الرعاية الصحية، مما يعزز من مستوى التأهيل العلمي والمهني للممرضين، مع العمل على إحداث طابع نقابة التمريض يعود ريعه للكوادر الصحية أسوة بنقابة الأطباء ، ووضع توصيف وظيفي ملزم لكل الإدارات، وفصل التمريض عن الإطار الطبي.
كذلك المطالبة بمنح الكوادر طبيعة الاختصاص، وبدل العمل المجهد والسهر، وبدل التنقّل، وبدل الدوام عن العطل، وكذلك اللباس والوجبة الغذائية، والعمل على إعادة المطالبة بتفعيل قانون الأعمال المجهدة، أي السنة بسنة ونصف، وإعادة المطالبة بمنح بطاقة التأمين الصحي للمتقاعدين فضلاً عن إبراز أهمية التمريض عبر وسائل الإعلام والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على إحداث مجلس أعلى للتمريض، ومنح بطاقة التأمين الصحي للمتقاعدين، وإحداث مجلس أعلى للتمريض.