الثورة – إيمان زرزور
بين ألسنة اللهب التي التهمت غابات الساحل السوري في الأيام الأخيرة، وبين أعمدة الدخان التي ارتفعت في سماء اللاذقية ، ارتسم مشهد مختلف في عمق المأساة: مشهد وطن يتوحّد في مواجهة الشدائد.
فقد شهدت المحافظات السورية كافة، من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، تفاعلاً شعبيًا واسعًا، عبّر عن تكاتف السوريين وتضامنهم في وجه كارثة حرائق الغابات، في لحظة استثنائية أعادت التأكيد أن الشعب السوري، رغم كل ما مرّ به، لا يزال واحدًا في الشدائد.
مع توسّع رقعة الحرائق لتطال آلاف الهكتارات من الغطاء النباتي، سارعت مئات المجموعات المدنية والفرق التطوعية من مختلف المحافظات إلى تنظيم حملات دعم عاجلة للمناطق المتضررة، شملت جمع التبرعات، إرسال المساعدات الغذائية والإسعافية، والتوجه إلى مناطق النيران لمساندة فرق الإطفاء في جهودها المضنية.
من درعا والسويداء، أُطلقت قوافل تضامنية محمّلة بالماء والمؤن والبطانيات، وشارك شبّان في أعمال تطوّعية لإخلاء القرى المحاصرة بالدخان، وفي موازاة الجهد الميداني، شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة تضامن وطني، حيث تصدّرت وسوم مثل “سوريا تحترق” و”معًا نخمد النار” قوائم التفاعل، وانهالت رسائل الدعم والتعاطف من كل المناطق، مرفقة بعروض المساعدة والسكن للنازحين من المناطق المتضررة.
ورُصدت مبادرات فردية مؤثرة، من بينها شبّان في دير الزور أطلقوا حملة لشراء أدوات إطفاء أولية وتسليمها لمتطوعين يتجهون إلى ريف اللاذقية، فيما قدّمت جمعيات خيرية من حمص وحماة مساعدات عينية للعائلات المتضررة، تم إيصالها بالتنسيق مع الجهات المختصة.
ورغم حجم الكارثة البيئية والبشرية، فإن الاستجابة الشعبية الواسعة أكدت أن السوريين لا يزالون يحملون في وجدانهم مشاعر الانتماء والتضامن، بعد سنوات طويلة من الانقسام والشتات، فقد اختفت الحدود الإدارية، وذابت الفروقات المناطقية والطائفية، أمام نداء واحد: أنقذوا سوريا.
يقول أحد المتطوعين القادمين من ريف إدلب للمساعدة في جبل التركمان: “النار لا تسأل من أي طائفة أنت، ولا من أي محافظة. هذه أرضنا كلنا، وهذا شعبنا كله، وما يجري اليوم هو امتحان وطني لنا جميعاً”.
وفي مقابل المشاهد القاسية، ظهرت صور مليئة بالأمل: شباب يروون الأشجار المحترقة، أطفال يوزعون الطعام على عناصر الدفاع المدني، مواطنون يفتحون منازلهم للنازحين دون أن يسألوا عن الهوية أو الأصل، هذه الصور، التي تناقلها السوريون بفخر، كانت الرد الأبلغ على النيران التي لم تُحرق سوى الأشجار، لكنها لم تستطع أن تمسّ روح هذا الشعب.
وبين لهب الحرائق ولهيب الذاكرة السورية المثقلة بالحرب، يُولد من جديد مشهد وطني يعيد رسم خريطة الانتماء، ويؤكد أن الشعب السوري، متى اشتدت المحنة، اتّحد حول الوطن، فصار يداً واحدة تطفئ النار، وتزرع مكانها شجرة جديدة من الأمل.