الثورة – إيمان زرزور
في وقت كانت فيه التوقعات تشير إلى انخفاض عدد سكان إدلب إلى النصف مع انتهاء العام الدراسي وعودة عشرات الآلاف من نازحي الداخل وضيوف المدينة إلى مدنهم الأصلية، جاءت المفاجأة عكس ذلك تماماً: العدد لم يتغير، بل على العكس، ازدادت مؤشرات الاستقرار وتوسعت خارطة الأعمال، وسط تفاؤل متصاعد بمكانة إدلب كمركز حياة جديد لعشرات الآلاف من السوريين.
بحسب مصادر محلية، فإن كثيراً من العائلات التي كانت تنوي مغادرة إدلب مع نهاية العام الدراسي قررت البقاء، وهو ما يعكس تحولات ملموسة في نظرة السكان للمدينة، فقد شكّلت إدلب في السنوات الأخيرة نموذجاً للاستقرار النسبي، مقارنة بمناطق أخرى عانت من الفوضى أو ضعف الخدمات. ويؤكد عائدون من مناطق المهجر أن إدلب باتت خيارهم الأول عند التفكير بالعودة إلى البلاد، خاصة مع توفر التعليم، والخدمات الطبية، ومجتمع نابض بالحياة والتضامن.
اللافت في المشهد هو أن شريحة من الناجحين في مجالات التجارة والصناعة والخدمات، ممّن استقروا في إدلب، لم يكتفوا بالبقاء، بل وسّعوا أعمالهم لتشمل مناطقهم الأصلية، معتبرين إدلب نقطة انطلاق لا عودة مؤقتة، ويصف أحد رجال الأعمال تجربته بقوله: “إدلب فتحت لنا باباً جديداً للحياة، لا يمكن إغلاقه. أحببناها كما أحبّت أبناءها الجدد، وصارت منّا كما صرنا منها”.
إدلب، التي احتضنت المهجرين من مختلف المحافظات السورية، تحوّلت اليوم إلى لوحة فسيفسائية من الانتماء والكرامة، فهي المدينة التي فتحت أبوابها لكل من ضاق به وطنه، وقدمت نموذجاً مجتمعياً متماسكاً قائماً على الحرية والكرامة والعيش المشترك، وكما يشير أحد سكانها: “لم نعد نعتبر إدلب محطة، بل بيت. كل زاوية فيها تحمل قصصاً عن الصمود، والتكافل، والقدرة على البدء من جديد”.
في خضم المشهد السوري المليء بالتحديات، تبرز إدلب بوصفها منارة للباحثين عن بداية جديدة. فحاضنتها الاجتماعية المتماسكة، والمجتمع المدني الفاعل، والخدمات المتوفرة نسبيًا، تجعل منها خياراً جذاباً ليس فقط لمن عاد، بل لمن يفكر بالعودة.
ومع استمرار الاستقرار الأمني وتعزيز الإدارة المدنية لقطاعات التعليم والصحة والخدمات، تترسخ مكانة إدلب يوماً بعد يوم كمدينة للحياة الكريمة في وطن أنهكته الحرب، لكنها لم تنزع من أبنائه حق الحلم والمستقبل.