الثورة – ثورة زينية:
عادة ما تدب الحركة باكراً يوم الجمعة في أوساط معظم العائلات الدمشقية، على الرغم من أنه يوم عطلة ويوم راحة للجميع، لكن هذا اليوم يتحول عند الدمشقيين إلى يوم للهرب من ضغوطات الحياة والأجواء الخانقة في المنازل باتجاه الطبيعة في إطار ثلاثية الاسترخاء “مي وفي ووجه حسن”.
السيران الدمشقي تقليد تراثي شعبي من أعرق عادات اللقاءات الاجتماعية في أقدم عاصمة مأهولة في تاريخ البشرية، ويقال أنه ممتد في التاريخ من أيام وجود الرومان في الشرق.
ويعد السيران احد التقاليد المهمة لدى العائلات على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم.
الوجهات والأماكن
لقد كانت الغوطة الشرقية قبل الثورة السورية وجهة أساسية لسيران العائلات الدمشقية كونها الأقرب للعاصمة، لكن ما حدث من حصار وتدمير للغوطة الشرقية جعلها وجهة مستحيلة آنذاك، إضافة للغوطة الغربية ومناطق الربوة وبلودان ووادي بردى وعين الفيجة والزبداني، وقد كان القطار البخاري الذي يقطع هذه المناطق أجمل مايميز السيران الدمشقي وكانت هناك اغنية شهيرة يرددها ركاب القطار تقول “صفر صفر ياوابور وخدني على الزبداني عملنا الغدا ببقين العشا ببلودان”، كان يتمتع المصطاف بجمال اللوحات الطبيعية لدى مرور القطار من الربوة إلى دمر إلى الهامة إلى جديدة الوادي والأشرفية وبسيمة وعين الخضرة وعين الفيجة ويقطع قرى وادي بردى إلى أن يصل إلى الزبداني وبقين صاحبة النبع النقي الشهير وبلودان التي ذاع صيتها في كل الدول العربية كأهم مصيف عربي، وكان مكانا للملتقيات السياسية والثقافية والفنية وشكلت أرضه مسرحاً لتمثيل وإنتاج أجمل الأفلام فيما مضى ومازال فندق بلودان الكبير شاهدا على كل هذا.
ملامح السيران
السيران الدمشقي ليس مجرد نزهة، بل هو تعبيبر عن الترابط الأسري والاجتماعي ، ويُظهر جمال الحياة الدمشقية البسيطة واهتمام الناس باللقاء واللمة أكثر من المظاهر.
ومن أهم ملامحه وجود المأكولات الشعبية التي غالبا ماكانت تحضر في البيت مثل(الكبة واليبرق والمحاشي والمشاوي والفتوش والتبولة)، وقد تغيرت بعض الخيارات حاليا فتحولت إلى شراء الأكل الجاهز توفيرا للجهد والوقت.
سابقاً عندما كان نهر بردى يجري مستفيضاً بجماله وبرودة مياهه كان المصطافون يستمتعون بمياهه ويسبحون ويغسلون الخضار والفواكه، لكن اليوم جف بردى وتحول إلى مجرى ملوث بمظهر محزن لكل من عاصر جماله سابقاً، وقد كان المصطافون يضعون حبات البطيخ الاخضر الكبيرة لتبرد في مياهه وطقس الشاي على الحطب كان من بين أجمل طقوس السيران في أحضان الطبيعة عندما تكون العائلة مفترشة الأرض تحت ظلال الأشجار الوارفة وغالبا ماتكون أشجار مثمرة مثل التفاح والكرز والمشمش.
فتكون أجواء الطبيعة بلسماً لشفاء الأرواح المتعبة من ضغوط الحياة وفرصة للتعارف والعلاقات الجديدة بين العائلات.
وبينما تنصرف النساء للعب النرد، وتبادل ألاحاديث كان الرجال يتصرفون للعب الورق وشرب النارجيلة فيما يلعب الأطفال في الطبيعة الجميلة.
ربما تغيرت بعض الطقوس نتيجة لتغير الظروف وأدوات العيش وتراجعت الخيارات بأماكن السيران الدمشقي حالياً واقتصاره على أماكن محددة، لكن تقليد السيران مازال موجوداً متوسداً نكهة بعبق الماضي تسكن سلال الحاضر ..
ورغم مرور مئات السنين يبقى السيران الدمشقي من الطقوس الاجتماعية الجميلة التي تعكس روح المحبة واللقاء.