الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
اتسمت الدراما التلفزيونية السورية منذ بداياتها بالجرأة ، والأكثر دلالة على ذلك العديد من الأعمال التي تم تصويرها أيام الأبيض والأسود ومنها سباعية (أسعد الوراق) مثالاً ، وتغير شكل الجرأة وازدادت جرعتها خاصة على الصعيد الفكري مع انتشار الأعمال الدرامية على الفضائيات في تسعينيات القرن الماضي ، وفيما بعد ارتفعت وتيرة إنتاج الأعمال الدرامية التي تخطت خطوطاً كانت تُوصف سابقاً بأنها خطوط حمراء ، فشكّلت انزياحاً رقابياً بدّل من أعراف الإنتاج ورفع سقف المسموح به ، الأمر الذي ما لبث أن تحوّل إلى سباق يتهافت عليه المنتجون كونه بات في فترة من الفترات الحصان الرابح وكلمة السر في التسويق والحصول على العرض الأول ، وهو ما دفعت الدراما السورية ضريبته ، فتم ضمن هذا السياق إنتاج أعمال انقسمت إلى قسمين الأول اتسم بجرأة حقيقية عبر الغوص إلى عمق قضايا المجتمع وتناول الأفكار والموضوعات الإشكالية بإطار صادق فكُسر الكثير من التابوهات عبر تناول المسكوت عنه بلغة فنية راقية وطرح فكري راقٍ ومشوق ، أما القسم الثاني فتاهت عنه البوصلة وجاء وبالاً على الدراما السورية مقدماٌ أعمالاً غرقت في مستنقع من الوقاحة والابتذال والجرأة الفجة المفتعلة والمفبركة ، تُخاطب غريزة المتفرج وتشكل ابتزازاً لقلة الوعي والمعرفة والثقافة عند البعض .
خف مع الوقت البريق الإعلاني لعبارات مثل (الأكثر جرأة ، خرق الخطوط الحمر ..) خاصة بعد الانسياق وراء البيئة الشامية وأعمال أخذت من الجماليات والقصص الأقرب لما تعرضه المسلسلات المدبلجة ميداناً لها، ولكن بقي هناك حضور لأعمال سعت في مضمونها لرفع سقف الجرأة والأمثلة القريبة حاضرة ، ومنها مسلسل (حارس القدس) الذي عُرض في رمضان الماضي ، إضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى التي أثارت الجدل لدى عرضها ومنها (شارع شيكاغو) ، وكان للإنتاج الذي يجمع بين فنانين عرب مساحة من الجرأة وإن غلب عليها الطابع التسويقي ، كأن يتم تناول أكبر قدر من الموضوعات التي تشكل بهارات حارة للتشويق مثل (المخدرات ، الاتجار بالأعضاء ، الخطف ، المساكنة ، العنف المبالغ به ، استخدام السلاح بشكل عشوائي خارجاً عن الشرعية ..) ويبقى مفهوم الجرأة ينوس بين منتج وآخر وبين مبدع وآخر ، كل حسب قناعاته ورؤاه وأهدافه ، إلا أن هذه الحسابات سيطرأ عليها تغيير شامل مع انحسار دور الرقابات أمام سطوة الإنتاج للعرض على منصات ومواقع الأنترنت حيث بات الرقيب الوحيد ما يتحلى به صناع العمل من وعي ومسؤولية وجدّية في التعاطي مع العمل الدرامي .