الثورة اون لاين – هناء الدويري:
استغرقت النظريات الخاصة في السلوك البشري وفي دوافعه وحوافزه عند المبدع العالم الراحل الدكتور فاخر عاقل أكثر من سبعين عاما، تاريخ ثريّ بالبحث والترجمة والتأليف، وبقيت مؤلفاته مقصد الطلبة والباحثين، وكنت أتمنى على وزارة التربية أن تأخذ بعضا من مؤلفاته لتكون ضمن المناهج التربوية للمرحلة الثانوية ليكوّن الدارس في تلك المرحلة فكرة عن علم النفس التربوي من خلال علم من أعلام المجدّدين في الفلسفة والتربية واستثمار نظرياته التي تضاهي نظريات علماء الغرب والشرق من أستاذ وباحث عربي سوري له باع في هذا المجال لأكثر من نصف قرن، فهو أوّل من وضع معجم (علم النفس) ١٩٧١ باللغة العربية، ودقّق في المصطلحات العلمية النفسية والتربوية وأفرد لها أبحاثا ودراسات وضمّن نحو ثمانية آلاف مصطلح مشروح باللغتين العربية والإنجليزية في (معجم العلوم النفسية) ٢٠٠٤ بعض مشكلات التربية في العصر الحديث تجد حلولها عند االعالم والمربي فاخر عاقل، وفي رحاب كتبه يتطرق إلى سلوكيات الإنسان في مراحل عمرية مختلفة من الطفولة وعبر المراهقة وحتى الشباب، ويقدّم في الحبّ الأسمى نظرية النجاح والفطرة الإنسانية التي تدفعنا نحو العمل والطموح واختيار الموقع الأفضل والمكان الأنسب لثقافتنا وقدراتنا وبالتالي تفوّقنا ونجاحنا.. وهذا ليس كلاما نظريا بالنسبة للدكتور عاقل وإنما نتيجة تجارب وبحث دقيق، فقد شاب وشاخ ولم يملّ العمل الناجح الذي اختاره طواعية في التأليف فقد صدر له آخر مؤلّف وقد جاور التسعين من العمر (ماوراء علم النفس) وفيه يبحث عن قضايا إنسانية تشغل بال الأسرة والحياة الاجتماعية بشكل عام، ويميّز بين الغريزة والحبّ، ويربط بين العقل والإرادة قوتان لايمكن الفصل بينهما مخالفا بذلك آراء عدّة، ويضم الكتاب أيضا أبحاثا عن قوة الشخصية ومستوى الطموح والذاكرة وتقديس العمل، وعن الرجل والمرأة، والزواج السعيد، وقِوام المجتمعات وحضارتها التي تتلخص بالأسرة، ويُفرد فصلا من الكتاب عن التخلّف وعلم الوراثة…الذهن المتوّقد والفكر الحرّ الذي تمتع به الباحث عاقل ترجمه في معظم مؤلّفاته، فلم يكن ليرضى بنظرية (فرويد) أو (كانت) أو (إدلر) أو (لونك) وحدهم باعتبار أن الحياة تتعقّد والتطور يلاحقنا جيلا بعد جيل والحاجات تزداد ويصبح العالم مأزوما، ولابدّ لعلم النفس والفيزيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأعصاب والتشريح أن يتخطى التحليل النفسي ويتعداه إلى محاولات تحقيق التوازن عند الإنسان المفكّر ذي الدوافع والحوافز لا الغرائز وحدها بحسب علم النفس القديماتجاهات علمية وفكرية مختلفة ومتشعبة في علوم التربية وأسسها البيولوجية والنفسية والاجتماعية،حاول الدكتور فاخر عاقل في أبحاثه خوض غمار فنونها وأصولها ومتغيراتها وجعل الإنسان في غايته ومبتغاه الإنسان الأمثل الذي يبحث عن الكمال في كلّ شيء.
محطات في حياته:
وُلِد الباحث الدكتور فاخر عاقل في بلدة كفر تخاريم التابعة لمحافظة إدلب عام ١٩١٨- ٢٠١٠، وتلقى تعليمه في مراحله الأولى في حلب، ثم غادر إلى دمشق لدراسة الطب، وتمّ إيفاده إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وفيها درس التربية وعلم النفس، ثم عاد إلى سوريا بشهادة الماجستير وعمل مدرسا في دار المعلمين، بعدها أوفِد إلى لندن لينال شهادة الدكتوراه ويعود أستاذا ورئيسا لقسم علم النفس في جامعة دمشق وأستاذا محاضرا في جامعات عربية كما عمل في منظمة اليونسكو.
مسيرة طويلة من العطاء أنتج خلالها مايزيد عن الثلاثين مؤلّفا بلغات عربية وأجنبية استحقّ خلالها التكريم فقلّده الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة عام ٢٠٠٢
أهدى العالم فاخر عاقل مكتبته الخاصة التي ضمّت أكثر من ٤٥٠٠ كتاب لأبناء سوريا وضمّها إلى مكتبة الأسد الوطنية قبل أن ينتقل للعيش في دار السعادة للمسنين في حلب في أواخر أيامه..
من مؤلفاته: سلوك الطفل ١٩٦٩، مدارس علم النفس ١٩٦٧، علم النفس التربوي ١٩٧٢،التربية قديمها وحديثها ١٩٧٤، اعرف نفسك (دراسات سيكولوجية) ١٩٦٤،المفردات الأساسية للقراءة ١٩٥٣