الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
تعرّض التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة لانتقادات واسعة، ما دفع بإدارة البيت الأبيض الجديدة إلى الطلب من البنتاغون العمل على تحسين صورته، الأمر الذي أضحى في غاية الضرورة لواشنطن في ظل ضغوط يتعرض لها من الرأي العام ليس في أميركا فحسب، بل في الأمم المتحدة أيضاً، وذلك إثر مطالب الحكومة السورية المتكررة للهيئة الدولية، وتوجيه التهم إلى قوات الاحتلال الأميركي بسرقة النفط السوري، ووفقاً لتقديرات الخبراء تجني واشنطن من سرقة النفط السوري ما يصل إلى 30 مليون دولار شهرياً، لذلك نجدها تضع خططاً لتوريده، فتقوم قوات تابعة لشركات عسكرية أميركية خاصة وميلشيات “قسد” بالعمل تحت إمرة البنتاغون ل”حراسة” الحقول الكبرى، فمنذ زمن الصادرات غير الشرعية التي قام بها إرهابيو داعش، أصبح النفط السوري يُصدَّر إما عن “الطريق الغربي” إلى الموانئ التركية على البحر المتوسط، أو “الطريق الشمالي” إلى “مصفاة باتمان” التركية، أو عبر “الطريق الشرقي”.
وبعد تحرير معظم أراضي سورية من إرهابيي داعش، أصبحت حقول النفط شرقي الفرات في معظمها تخضع لسيطرة (قسد) وحماتها الأميركيين الذين آزروها في الهيمنة على حقول النفط الواقعة بالقرب من الحسكة، ومن ثم بدأت تلك الميلشيات بتقاسم العوائد المالية مع الأميركيين، ولا يزال حقلا العمر وكونيكو حتى اليوم تحت سيطرة أميركا وربيبتها المذكورة.
ونظراً لرغبتها في وضع يدها على المشتقات النفطية السورية، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقاً آخر مع ميليشيات “قسد” لاحتلال مناطق تقع شرق الفرات بهدف استغلال حقول النفط بدرجة أكبر، الأمر الذي قوبل برفض من دمشق، وقد ذكرت وزارة الخارجية السورية أن تلك الصفقات ترمي إلى “سرقة النفط السوري تحت وصاية الإدارة الأميركية وبدعم منها”، ولا ريب بأن هذه الإجراءات تعد انتهاكاً لسيادة سورية وسلامة أراضيها، وقد أعلن السيناتور لندسي غراهام في حديثه أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس عن توقيع تلك الاتفاقيات لإعادة تأهيل حقول النفط، ووفقاً لموقع المونيتور، فإن هذا العمل تنفذه شركة دلتا كريست إنيرجي التي تقع في ديلاوير المنشأة في شباط عام 2019، ويديرها دبلوماسيون سابقون، وضباط عسكريون، ورجال أعمال في مجال حقول النفط.
وفي هذا السياق، قدمت واشنطن معدات استخراج النفط لميليشيات “قسد” في سورية، وأما الصادرات النفطية فقد أشرفت عليها شركة سادكاب الأميركية، أما بالنسبة للمبالغ الناجمة عن تهريب النفط السوري عبر شركات وسيطة تتعاون مع سادكاب فإنه يذهب إلى الحسابات البنكية للشركات العسكرية الخاصة ووكالات الاستخبارات الأميركية، لذلك فليس من المستغرب أن يعمل كل من البنتاغون وقيادة (السي أي أيه) على “حراسة” آبار النفط في سورية التي يجنيان منها أكثر من 30 مليون دولار شهرياً دون مراقبة أو فرض ضريبة على تلك الأموال من الحكومة الأميركية بذريعة محاربة ما يسمى “خلايا داعش النائمة”.
مؤخراً، لم تنفِ واشنطن اشتراك قواتها ب”حماية” مناطق النفط الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من سورية، علماً أن مهمتها الافتراضية إلحاق الهزيمة بفلول داعش في هذا الجزء من سورية.
ورغم تصريحات إدارة ترامب السابقة بشأن انسحاب القوات الأميركية من سورية، تلكأ البنتاغون بمغادرة المناطق النفطية، بذريعة “حمايتها من إرهابيي داعش”، بالإضافة إلى ذلك، نقلت الولايات المتحدة المئات من قواتها من العراق إلى محافظة دير الزور، وبدأت مؤخراً ببناء قاعدة جوية جديدة بالقرب من المناطق السكنية للسوريين في حقل العمر النفطي، وبذلك ستكون تلك القاعدة الجوية القاعدة الأكبر حيث تهبط قوات الطيران العسكرية فيها، وتصبح قاعدة للنقل الجوي، ليتبين أن نية أميركا تتمثل في ترسيخ وجودها العسكري في المناطق النفطية على وجه الخصوص.
وفي خضم هذه الظروف، طلبت سورية مؤخراً من بايدن سحب قواته من البلاد، والتوقف عن محاولات الاستغلال غير الشرعي للموارد النفطية، كما دعا المندوب الدائم لسورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري خلال اجتماع افتراضي عقده مجلس الأمن في 20 كانون أول واشنطن إلى تغيير سياستها في سورية قائلاً: “تواصل قوات الاحتلال الأميركي سرقة الثروة السورية من نفط وغاز ومحاصيل، ولم تكتف بذلك، وإنما عمدت إلى حرق وإتلاف ما لم تستطع سرقته، ويجب على الإدارة الأميركية الجديدة التوقف عن الاعتداء على ثروات بلادنا وسرقة ثرواتها واحتلالها، علاوة على ذلك يجب انسحاب قوات الاحتلال والامتناع عن تقديم الدعم للميليشيات الانفصالية، والكيانات غير الشرعية بالإضافة إلى التوقف عن محاولات تهديد سيادة سورية وسلامة أراضيها”.
وقد اضطر البنتاغون إلى إصدار بيان في 8 شباط يدعي فيه إجراء تعديل على نشاطاته في سورية إثر تنامي الاستياء ليس في سورية فحسب، بل في دول عدة من جراء الاعتداءات السافرة وسياسة التدخل التي تتبعها واشنطن في سورية، ولا سيما أنها تدعي أن مهمة قواتها تتمثل في محاربة فلول داعش الإرهابية، وليس “حماية” آبار النفط التي وجه بها الرئيس السابق دونالد ترامب.
ووفقاً لما ذكره المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، فإن طاقم وزارة الدفاع الأميركية “غير مخول بمد يد المساعدة إلى أي شركة خاصة تسعى إلى استثمار الموارد النفطية السورية، أو موظفيها أو عملائها”، علماً أن شركة أميركية وقعت عقداً مع “قسد” في شمال سورية “للمساهمة في تطوير الاحتياط النفطي” شمال شرق سورية.
وفي مختلف الأحوال، لا يخفى على أحد أن واشنطن لن تعمد إلى إجراء تغيير في سياستها المستقبلية قريباً، ولن تسحب وحداتها العسكرية المنتشرة، ما لم يتخذ بحقها فرض عقوبات أممية تتناسب مع ما أقدمت عليه من أفعال.
المصدر New Eastern Outlook