الثورة أون لاين – ريم صالح:
هل يكفي أن يقرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع الوطني، ومن ضمنها وثائق حرب الجزائر؟ وبماذا يمكن أن يفيد هذا الإجراء الجزائريين بعد كل ما كابدوه على يد المستعمر الفرنسي؟ أو لم يكن الأجدر به أن يعتذر عن جرائم بلاده الفاشية بحق الشعب الجزائري، لاسيما بعد أن اعترف، وبعظمة لسانه بأن الجيش الفرنسي عذب واغتال المناضل الجزائري علي بو منجل خلال حرب الجزائر في العام 1957، ليكذب بنفسه الرواية التي كان يتمسك بها الإليزيه فيما سبق، والتي تزعم زوراً وافتراءً أن بو منجل قد انتحر، ولم يتم اغتياله؟
ولكن لماذا قرر ماكرون، وفي هذا التوقيت تحديداً، رفع السرية عن الأرشيف الاستعماري لبلاده، والحقبة الشنيعة، وهول ما ارتكب فيها نظام بلاده الاستعماري بحق الجزائريين على مدى نحو 130عاماً؟ هل هي حقاً مبادرة تندرج ضمن النيات الحسنة لفرنسا؟ ولكن إن صح ذلك فمتى كانت الأفعى الاستعمارية تنفث عسلاً؟ ومتى كانت وهي تفترس ضحاياها تقدم لهم الترياق السياسي، أو الدبلوماسي، أو المادي؟
المرجح أن المسألة لا تعدو عن كونها محاولة فاشلة من ذاك القابع في الإليزيه، بل مناورة مكشوفة للتحايل على ذاكرة الجزائريين، ومحاولة منقوصة لا ترجع حقوق الشهداء الجزائريين، ولا المناضلين، ولا من قضى في زنزانات ومعتقلات الاستعمار الفرنسي.
الجزائر لم تسم عبثاً بلد المليون شهيد، فسجل فرنسا الاستعماري في هذا البلد على سبيل الذكر لا الحصر، ربما تقف أكبر الموسوعات عاجزة عن إحصائها، أو ذكرها كاملة، لا لشيء، سوى لأن الاستعمار الفرنسي كان يرتكب في كل يوم مجزرة وحشية، أو مذبحة همجية بحق الجزائريين في كل مكان على الأراضي الجزائرية، ولاسيما كل من كان يناضل لتحرير بلده من نير الاستعمار، أو ينضم لصفوف الثوار.
المؤكد لنا جميعاً أن الجزائريين لم يتوقفوا يوماً عن مطالبتهم فرنسا بالاعتراف، والاعتذار، والتعويض عن جرائمها بحقهم، من عمليات طمس للهوية، ونهب لتراثهم وآثارهم، وتعذيب، وقتل، وتجارب نووية منذ عام 1830 وحتى عام 1962، ولكن حتى اللحظة لم تقدم باريس هذا الاعتذار، بل لا تزال تتصرف حتى الآن بفوقية في تعاملها مع الشعب الجزائري، وما قرار ماكرون بالتالي رفع السرية عن سجل بلاده الاستعماري، إلا ضحكاً على اللحى، ومحاولة لكسب المزيد من الوقت، والتسويق لنفسها أي فرنسا، ولشعاراتها الزائفة لا أكثر ولا أقل.
الاستعمار الفرنسي لم يحتل الأراضي الجزائرية فحسب، وإنما سخر الجزائريين لخدمة سياساته، بعدما سلبهم أراضيهم، وفرض لغته الفرنسية عليهم، كما نهب خزينة الدولة الجزائرية، من أموال وكنوز وآثار ورفض إعادتها حتى اليوم، وكله مدون في الأرشيف الفرنسي، كما استخدمت فرنسا الجزائريين كرهائن ودروع بشرية في حربها ضد جيش التحرير الوطني الجزائري.
وبحسب ما ذكرته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في تقرير لها عام 2017 فإن عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي فاق عشرة ملايين شخص وآلاف المعتقلين ومئات المفقودين.
هي وصمة عار إذاً سجلتها فرنسا الاستعمارية على صفحات التاريخ لا يمكن أن يمحوها الزمن، وستبقى ماثلة في أذهاننا ما حيينا، وفي أذهان الأجيال القادمة، هل يمكن لأحد أن ينسى حقاً كيف أرسلت فرنسا جماجم قادة الثورات الفرنسية، بعدما أعدمتهم، إلى متحف الإنسان في العاصمة باريس عامي 1880 و1881 ، وكيف أن السلطات الجزائرية تطالب منذ عام 2011 بإعادة تلك الجماجم، وهو ما ترفضه باريس؟، وهل يمكن لعاقل أن ينسى أن المستعمر الفرنسي أجرى أكثر من 17 تجربة نووية، على الأراضي الجزائرية وهو ما تسبب بمقتل 42 ألف جزائري، وإحداث عاهات مستدامة بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم.
أسلوب الصعق الكهربائي، واستخدام الآبار المائية كسجون، وإلقاء المعتقلين من المروحيات، ومواجهة المحتجين بالرصاص الحي، وإلقائهم في نهر السين، كلها أساليب ابتدعها المستعمر الفرنسي في تعامله مع الشعب الجزائري، ألا يستحق بعد هذا كله أن يحاكم ويحاسب هذا النظام المارق باعتباره مجرم حرب ارتكب مجازر إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية؟ وهل يكفي اعترافه بهذه الجرائم فقط؟ وحده الشعب الجزائري من يجيب على سؤالنا هذا.