الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
شهدت العلاقات الصينية الأوروبية انحساراً واضحاً إثر إعلان الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي عن عقوبات طالت مسؤولين وكيانات صينية، وجاءت العقوبات على خلفية مزاعم بانتهاك حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، ما أفضى إلى فرض عقوبات متبادلة من الجانبين.
في هذا السياق، هدد البرلمان الأوروبي بأن توقيع الاتفاقية الشاملة للاستثمار (التي جرى التوصل إليها بعد مفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والصين في شهر كانون الأول) مرهون برفع الصين لعقوباتها المفروضة على الاتحاد الأوروبي، علماً أن البرلمان الأوروبي هو من بادر إلى فرض العقوبات على الصين مستنداً في ذلك إلى مزاعم زائفة تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، ومتجاهلاً أهمية اتفاقية الاستثمار، الأمر الذي حدا بالصين إلى عدم الإذعان لتهديداته.
ما زاد الطين بلة، تصريح الاتحاد الأوروبي بأن التطورات التي تشهدها هونغ كونغ تشكك في رغبة الصين بالوفاء بالتزاماتها الدولية ما يقوض الثقة بها ويؤثر على العلاقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي والصين، وذلك عقب إصدار محكمة هونغ كونغ الحكم على 10 متطرفين محليين بالسجن من ثمانية إلى 12 شهراً نظراً لتورطهم في احتجاجات عنيفة في منطقة الإدارة الخاصة، ويعد ما ذكر تدخلاً سافراً في شؤون الصين الداخلية على غرار تحرك الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بشينجيانغ، بالإضافة إلى ما أبداه من تدخل في محاكمة متطرفين نتيجة إطلاقهم العنان للفوضى ومهاجمة الأبرياء وزج المجتمع المحلي والاقتصاد في أتون الفوضى.
لا ريب بأن البرلمان الأوروبي ملتزم باتخاذ تدابير عقلانية ومتوازنة لحماية سلام أوروبا وازدهارها ووحدتها، عوضاً عن اتخاذ قرارات مبنية على إشاعات وادعاءات عارية عن الصحة، لذلك فإن مصالح أوروبا بعيدة المدى يحتم عليها تطوير تفهم أكثر موضوعية مع الصين عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أولاً، ينبغي على الاتحاد أن يتفهم واقع المجتمع الصيني واقتصاده وسياساته، إذ بفضل السياسات الصينية الاقتصادية الشاملة والقوية أيضاً، تمكنت من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، من خلال المساهمة بنحو 30% من النمو الاقتصادي العالمي على مدى أكثر من عقد من الزمن، علاوة على ذلك، فإن الإجراءات الصارمة لمكافحة وباء كورونا ساهمت في التمكن من احتوائه ضمن حدودها، الأمر الذي ساعد في جعل اقتصادها، الاقتصاد الأكبر والأوحد الذي حقق نمواً اقتصادياً إيجابياً في عام 2020، وبالإضافة إلى عضوية الصين في مجلس الأمن، فإنها تعد مساهماً أساسياً في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، من حيث القوات والأموال والدور الذي تلعبه في النمو العالمي والحوكمة العالمية والمكافحة العالمية للتغير المناخي.
في هذا السياق، ينبغي على الاتحاد الأوروبي تفهم الدبلوماسية الصينية في الحقبة الجديدة، فقد دعت الصين إلى تحسين النظام العالمي عبر إقامة علاقات دولية رابحة ومنفتحة وشاملة، وساهمت في بناء مجتمع جديد للبشرية، كما دعت إلى التعاون العالمي للحفاظ على السلام وتسهيل التنمية العالمية وتوسيع دائرة أصدقائها.
ثانياً، يجب على الاتحاد الأوروبي الأخذ بالحسبان أن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي تعد نوعاً جديداً من العلاقات الدولية ذات المصلحة المتبادلة، فعندما تعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأوروبا شهدنا انعكاساً إيجابياً لنتائج هذا التعاون على الشعوب في كلا الجانبين، وقد أظهرت بيانات أصدرتها وكالة الإحصاء الأوروبية أن الصين تمكنت من التفوق على الولايات المتحدة في عام 2020 لتصبح بذلك أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي إذ وصل حجم التبادل التجاري إلى 586 مليار يورو.
وعلى خلفية اتساع مجال التعاون بين الصين وأوروبا، فإنه يجب على الطرفين العمل جنبا إلى جنب لتعزيز النمو الاقتصادي، فضلا عن الأخذ بالحسبان أن قوتهما الاقتصادية ستوفر فرصا جديدة لكلا الطرفين.
ثالثاً، ينبغي على الاتحاد الأوروبي التفهم الصحيح والكامل لاتفاقية الاستثمار الشاملة، فتوقيع تلك الاتفاقية لا يعني البتة خضوع الاتحاد الأوروبي للصين أو تقديم خدمة لها، ذلك لأن التوصل إلى تلك الاتفاقية استغرق سبع سنوات من التفاوض للتمكن من إبرام اتفاقية استثمار متوازنة تعود بالنفع المتبادل، ولا ريب أنه في حال وقع الجانبان على الصفقة، فإن ذلك سيساعد الصين على انفتاح اقتصادي أوسع ما يمنح دول الاتحاد فرصة الوصول إلى الأسواق الصينية وتعزيز الازدهار الأوروبي.
لذلك يجب على البرلمان الأوروبي ألا ينصت للشائعات التي تضر بجهود الجانبين للارتقاء بالتعاون الثنائي، لأن ذلك سيلحق الضرر بمصالحهما المشتركة على المدى البعيد.
من المحتمل بأن إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن استعداد واشنطن “للعودة” إلى أوروبا، ومعارضته اتفاقية التجارة الصينية الأوربية كان سبباً في انتكاس العلاقات الصينية الأوروبية، بيد أن تركيز الاتحاد الأوروبي على الدبلوماسية المستقلة خلال السنوات الأخيرة، قد يجعل بايدن يشعر بصعوبة بالغة في تعزيز التحالف الأميركي الأوروبي لاستهداف الصين رغم دعوته لحضور قمة المجلس الأوروبي الافتراضية في 25 أيار المقبل.
من المرجح أن نشهد تعاوناً صينياً أميركياً بشأن قضايا عدة في المستقبل، ولاسيما التغير المناخي، أما في الأحوال التي يتخلى بها الاتحاد الأوروبي عن التعاون المربح مع الصين، فإنه سيلحق الضرر بأعضائه نتيجة تملقه للولايات المتحدة.
يحدو الصين الأمل في أن يعمد صناع القرار الأوروبيون إلى تغيير مسارهم، وتصحيح أخطائهم بحيث تتضافر جهود الأطراف المعنية لإعادة العلاقات الصينية الأوروبية إلى سكة التنمية.