الثورة أون لاين – غصون سليمان:
حين يخفق القلب بذكرها تختال بين الأفئدة سنوات من قدر، وتعزف في النفس براءات حضور .تستيقظ مع كل رفة عين ،وتهمس مع كل نبضة فؤاد .
هي الوجدان الحامل لوجعنا ومرآة طقوسنا المتداخلة بألوان السرور والألم.
طوقتنا بعناق الحياة وقلدتنا وسام الدفء والحنان .
فكم تمر بك اللحظات المتراكمة حول معبر الذاكرة.. وترصد في خفاياها ساعات من أيام وانتظار ..كم تشتاق روحك في مساحات الصبر حين تتكئ الصورة الذهنية على لوعة الغياب .
كنت أفتش عن حرير أصابعها على كل قطعة قماش ملفوفة من ذاك العمر الذي قضته ..ومن ذاك الطريق الذي مشته ..ومن كل دمعة هربت من عينيها .
من عطر تلك الروح يشدك الحنين إلى حيث لاتدري، وتدفع بك الذكريات إلى ايام وسنين خلت لم تكن تدرك أوتعرف حينها الكثير من عواطف الزمان والمكان ،للحجر والشجر ،والأهل، والجيران ..
ففي بيتها العربي الذي بقي محافظا إلى حد كبير على جماليات تراثية صنعتها بحسها وفنها ونظرتها، لطالما لم يخضع لنظام البيت الداخلي المغلق على مدخل واحد ..بل بقي معانقا بغرفه الثمانية المفتوحة على أرض رعتها وسقتها وبددت يديها الخيرتين أشواكها وغازلت أشجار الرمان والجوز وعرائش العنب..الغافية على شجيرات الليمون والبرتقال والريحان في موسم العطاء وبذور نباتات أبت إلاٌ ان تشق ظلمة التراب لتعلن عن نفسها أنها من فصيلة الخوخ والمشمش والدراق .
صدق من قال إن الأم وطن..آباؤنا، أمهاتنا تاريخ من الزمن..وطن صغير لعالم كبير ..
ومابين ضربات مضطربة ..شاء القدر ..توقف الزمن عند ذاك المؤشر..آخر خفقة في الحياة ..ودعتها وقد غافلت بصري وبصيرتي رؤيتها..حيث طوت ثلاثة أعوام من عمر الشوق والذكر الطيب.
إلى أمي في عامها الثالث على الغياب ،إلى أمهات الوطن، إلى كل من زرعت بذور الخير ،وربت الجيل على الوفاء والإخلاص باقة ورد ندية ،ومدونة حضور نقشت بعبير الطهر على شغاف الحنين والإنسانية ،الأم لاتموت بقدر ماتحيا من جديد .