ريادة الأعمال.. بين التمكين النفسي وإعادة تشكيل المجتمع

الثورة – بتول أحمد:

في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها سوريا، برزت ريادة الأعمال كمساحة بديلة للشباب، لا تقتصر على تأمين مصدر دخل، بل تمتد لتلامس أعماق النفس وتعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية.

الخبيرة الاجتماعية التربوية يارا أحمد تسلط الضوء على هذه الظاهرة من زاويتين متكاملتين: النفسية والاجتماعية، وتكشف كيف تحوّلت المشاريع الفردية إلى أدوات للتأقلم، وأحياناً إلى مصادر ضغط إضافي.

 

من الفوضى إلى التحكم

توضح أحمد أن دخول الشباب عالم المشاريع يمنحهم شعوراً بالتحكم بعد سنوات من الفوضى، ويعزز ثقتهم بقدرتهم على التغيير. هذا الإحساس بالتمكين قد يكون علاجياً، لكنه يحمل في طياته خطراً إذا كان مدفوعاً بالرغبة في الهروب من الواقع، إذ يتحوّل العمل إلى عبء لا ينتهي، وتزداد المخاطر النفسية.

الضغوط التي تواجه رواد الأعمال الشباب في سوريا لا تنبع فقط من طبيعة العمل، بل من السياق العام الذي يعيشون فيه، فالوضع الاقتصادي والسياسي المجهول يخلق حالة من القلق المستمر، ويمنع التخطيط طويل الأمد.

تقلب الأسعار والعملة يدفع إلى قرارات متسرعة، فيما مسؤوليات المعيشة اليومية تفرض توتراً دائماً، يضاف إلى ذلك الخوف من الفشل ونظرة المجتمع، ما يجعل البعض يغامر بشكل مفرط أو يتراجع عن التجربة.

حتى التنقل والأمان الشخصي يتحولان إلى مصدر ضغط جسدي ونفسي، يظهر في شكل أرق وصداع وتوتر.

دعم الصحة النفسية

الناجحون في هذا المجال- كما ترى الخبيرة أحمد، يتمتعون بمرونة نفسية وقدرة على التأقلم، لا يتوقفون عند أول خيبة، بل يعيدون تشكيل أهدافهم ويتعاملون مع الواقع بواقعية وشجاعة محسوبة، لديهم انضباط ذاتي وروتين واضح، ويبرعون في بناء علاقات اجتماعية وشبكات دعم، وهي مهارات حاسمة في بيئة غير مستقرة.

في ظل هذه الضغوط، يصبح دعم الصحة النفسية لرواد الأعمال ضرورة، تقترح الخبيرة أحمد مجموعة من التدخلات العملية، منها إنشاء مجموعات دعم شبابية لتبادل التحديات، وتنظيم جلسات قصيرة مع مختصين نفسيين لتعليم إدارة الضغط.

كما تؤكد على أهمية التوعية المالية والقانونية لتقليل القلق، وتنظيم وقت العمل للفصل بين الحياة الشخصية والمهنية، وتشير إلى وجود مبادرات محلية في سوريا، مثل مراكز العمل المشترك والجمعيات التي تقدم جلسات جماعية، رغم محدودية الموارد.

الهوية النفسية: بين التمكين والانهيار

تجربة المشروع الشخصي تمنح الشباب شعوراً بالتمكين والثقة بالنفس، لكن الخطر يكمن في ربط القيمة الذاتية بنجاح المشروع فقط. فإذا فشل المشروع، قد ينهار صاحب الفكرة نفسياً، “الصح إنو الواحد يضل شايف حاله أكبر من مشروعه”، تقول أحمد، مشددة على أهمية الفصل بين الهوية الشخصية والنجاح المهني.

انتشار ريادة الأعمال في سوريا لم يكن صدفة، بل جاء كرد فعل طبيعي على غياب الوظائف الرسمية، ومع الوقت، تغيّرت القيم المجتمعية، وبدأ يُنظر إلى العمل المستقل كرمز للاعتماد على الذات، خاصة مع انتشار العمل عبر الإنترنت والتسويق الرقمي.

ولفتت إلى أن العائلة تلعب دوراً مهماً في دعم المشاريع، سواء مادياً أم معنوياً، من خلال توفير مكان للعمل أو المساعدة في الوصول إلى الزبائن، لكن في المقابل، يبقى الخوف من المغامرة ومن “كلام الناس” حاضراً، خاصة إذا فشل المشروع، ومع ذلك، تشير أحمد إلى أن المجتمع بدأ يتقبل المشاريع الفردية، خصوصاً إذا أثبتت جدواها الاقتصادية.

إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي

المشاريع الصغيرة تخلق روابط جديدة بين الشباب والموردين والزبائن، وتعيد تشكيل الأدوار التقليدية، خاصة مع دخول النساء إلى سوق العمل المنزلي أو الرقمي.

هذا التحوّل يعزز الثقة بالمجتمع المحلي، لكنه يحمل خطراً إذا لم يكن هناك وصول متساوٍ للإنترنت أو التمويل، مما قد يوسع الفجوات الاجتماعية.

وأشارت إلى أنه في غياب الدعم الرسمي، يلجأ الشباب إلى حلول بديلة مثل جمعيات الادخار الصغيرة، ومجموعات واتساب وتلغرام لتبادل المعلومات، والتعاونيات التي تتيح مشاركة المعدات والمساحات، هذه الشبكات- رغم بساطتها، تعبّر عن روح التضامن المحلي، لكنها لا تغني عن الحاجة إلى دعم قانوني ومالي مؤسسي.

ولفتت إلى أنه عندما يكون المشروع مرتبطاً بالمكان ويخدم المجتمع، ويعزز الانتماء، أما إذا كان الهدف فقط “النجاة الفردية”، فقد يؤدي إلى عزلة، وترى أن المزج بين خدمة الذات وخدمة المجتمع هو الطريق الأمثل، فالمشروع الناجح هو الذي يخلق قيمة شخصية واجتماعية في آنٍ واحد.

ريادة الأعمال في سوريا ليست مجرد وسيلة للرزق، بل أصبحت مساحة نفسية واجتماعية يعيد فيها الشباب تشكيل هويتهم، علاقاتهم، وانتماءهم، وبين التحديات والفرص، تبقى الحاجة إلى دعم ممنهج ومستدام هي المفتاح لضمان استمرارية هذه الظاهرة وتحقيق أثرها الإيجابي.

آخر الأخبار
"المعلم المبدع".. في درعا إدانات دولية متصاعدة للعدوان الإسرائيلي على قطر: تهديد للأمن الإقليمي "الشمول المالي الرقمي".. شراكة المصارف والتكنولوجيا من أجل اقتصاد واعد الشيباني يستقبل وزير الخارجية الكرواتي خلف الحبتور: سوريا تملك مقومات واعدة للاستثمار.. ومشروعات ستوفر آلاف فرص العمل مدارس حلب تتجدد.. والأمل يعود إلى الصفوف الدراسية المستلزمات المدرسية تثقل كاهل الأسر معهد متعددي الإعاقة في دمر إلى الواجهة .. ومعاهد أخرى قيد الانتظار عودة الحياة إلى مدارس سراقب في ريف إدلب الشرقي قافلة مساعدات جديدة.. وخطوات حكومية لمتابعة عودة الأهالي لقراهم في السويداء استهداف قطر.. ألم يحن الوقت لتفعيل استراتيجية عربية دفاعية؟! "التربية والتعليم": توفير بيئة تعليمية آمنة وصحية الدولار يواصل ارتفاعه محلياً مشاريع كبرى واتفاقيات استثمارية.. البيئة الاستثمارية في سوريا بين التحديات والفرص استراتيجية محاربة الفقر..هل ستنهي الجوع وتمكين الأفراد اقتصادياً؟! سوريا في مؤتمر الاتحاد البريدي العالمي.. خطة تطوير شاملة محطة تاريخية: الرئيس "الشرع" يشارك في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لماذا تغذي الاعتداءات الإسرائيلية مخاوف الاضطرابات والتقسيم داخل سوريا؟ الاتحاد الأوروبي يؤكد استمراره في دعم السوريين ويكشف حجم تمويله منذ 2011 محافظ السويداء: خطة لإعادة الأهالي وصرف مستحقات العاملين والمتقاعدين