الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
اختارت أميركا الإعلان عن انسحاب قواتها الغازية من أفغانستان بعد مرور ما يقارب عشرين سنة على أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 حين تعرضت الولايات المتحدة الأميركية لهجوم إرهابي وجهت التهمة آنذاك إلى تنظيم القاعدة الذي ارتبط بحركة طالبان التي سيطرت على أفغانستان بعد إسقاط النظام الجمهوري فيها، وحولت البلاد إلى حالة من التخلف والفوضى السياسية وتراجعت بها إلى مستوى ضعيف سهل على الولايات المتحدة الأميركية أن تغزو هذا البلد وتحتله، حيث ضغطت على الأمم المتحدة لإصدار قرارات تفرض قيام تحالف غربي بزعامة أميركا لغزو أفغانستان ثم احتلالها بحجج جاهزة لا تزال موضع تشكيك.
وهاهي اليوم تخرج مهزومة بعد فشل مشروعها العدواني في أفغانستان التي تشكل مركزاً مهماً في اقتصاد المنطقة إذ تقع على طريق نقل النفط والغاز بين الدول المحيطة بها.
وسبق ذلك الحديث عن مشروعات اقتصادية في منطقة وسط آسيا إلا أن احتلالها من قبل أميركا عطل تلك المشروعات لعقدين من الزمن، لكن لماذا اختارت أميركا هذا الوقت لانسحابها؟.
إن أهم أسباب ودوافع الانسحاب الأميركي هو فشل المقاربة الأميركية للحل ووصولها إلى طريق مسدود، بعد أن كانت تقوم على أساس الحسم والحل العسكري والانحياز لطرف دون طرف، متخبطة في التعامل مع الملف الأفغاني.
ومن الواضح أن قرار الانسحاب جاء ضمن توجه السياسة الأميركية الذي تبلور في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتسير على نهجه إدارة الرئيس جو بايدن، حيث تدرك الولايات المتحدة أنه آن الأوان، أكثر من أي وقت مضى، العمل على إنهاء هذه الحرب الصعبة.
وتعود رغبة إدارة بايدن لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة بالخارج منذ 2001، إلى إيقاف نزيف الخسائر الأميركية هناك، فبعد كل المحاولات اليائسة للقضاء على طالبان عسكرياً، أدركت واشنطن أنها ستخسر المزيد.
وكانت قد تسببت الحرب على أفغانستان في مقتل 2448 جندياً من الجيش الأميركي، إضافة إلى خسارة نحو تريليوني دولار ومقتل نحو 38 ألف مدني أفغاني.
الولايات المتحدة أدركت أن سياستها في أفغانستان قد فشلت، نظراً إلى ارتفاع تكلفة الحرب المادية والبشرية، كما أن تركيز جهود أميركا على مواجهة الصين وروسيا، وإنهاء أطول حروب أميركا في أفغانستان، والعودة إلى اتفاق مع إيران يمكن أن يكون من دوافع الانسحاب الأميركي.
ولا يمكن كذلك إغفال أن الأولوية الأميركية في مواجهة “الإرهاب” المزعوم قد تحولت إلى منطقة وسط إفريقيا حيث أصبح الإرهاب في تصاعد، مع نشاط حركة الشباب وتنظيم داعش.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان والذي يأتي بعد عقدين من هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 جاء دون أي شروط مسبقة، ودون اتخاذ الترتيبات التي تضمن استتباب الأمن والاستقرار في البلاد، والمضي قدماً في استكمال عملية إعادة بناء الدولة بمؤسساتها المختلفة، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب، فتجارب التاريخ تشير بوضوح إلى أن هذه المرحلة تتطلب قوات كافية لحفظ الأمن والاستقرار، والتصدي لأي تحديات أو مخاطر ناشئة أو محتملة، فضلاً عن التوافق الدولي على خارطة طريق واضحة لإعادة البناء والإعمار، وإحداث تنمية حقيقية تستجيب لتطلعات الشعب الأفغاني وحقه في التنمية والأمن والاستقرار.
لا شك أن الانسحاب الأميركي يضع أفغانستان أمام مرحلة فارقة في تاريخها تتسم بالضبابية، خاصة في ظل غياب أفق واضح لمسار السلام بين الحكومة وحركة طالبان، وعدم قدرة الحكومة على بسط سيطرتها على معظم المناطق، وتنامي الولاءات القبلية والعرقية والمذهبية، واستمرار الصراع الإقليمي على النفوذ في البلاد، كلها معطيات تشير إلى أن تكلفة هذا الانسحاب ربما تكون مرتفعة على الصعد كافة، الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولن تقتصر فقط على أفغانستان، وإنما ستمتد إلى محيطيها الإقليمي والدولي، بالنظر لموقعها الجيوسياسي الذي يمثل أهمية كبرى للعالم، فهي تقع في وسط المناطق الآسيوية الرئيسية مثل آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى، كما أن موقعها الجغرافي يجعلها ممر ترانزيت مهماً لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا إلى بحر العرب، ولهذا من الطبيعي أن ينعكس الوضع فيها على هذه المناطق.
إن انسحاب قوات أميركا الغازية من أفغانستان يجعل المسألة محل تساؤل وتخوف لدى المجتمع الدولي لاسيما أن واشنطن احتلت هذا البلد دون إذن قانوني دولي ودون حجج حقيقية، وهاهي اليوم تخرج وتنسحب دون أسباب ودوافع واضحة، ما يعزز الاعتقاد السائد أن وراء ذلك مصالح وغايات أميركية تريد تحقيقها وتعمل لأجلها على حساب مصالح أفغانستان والمنطقة والعالم، وتحاول الخروج من مأزقها الداخلي وما تواجهه السياسات الأميركية من انتكاسات في أفغانستان والمنطقة والعالم عموماً.
في كل الأحوال ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء الانسحاب الأميركي فإنه بمثابة هزيمة جديدة للمشروع الأميركي وفشل ذريع لسياساتها المتمردة على ميثاق الأمم المتحدة.