الثورة أون لاين – علي الأحمد:
قد يبدو السؤال هنا، غريباً بعض الشيء، خاصة إذا ماعلمنا، كيف تتم صناعة وفبركة نتاجات هذا الغناء في ألفيته الثالثة ، كما بطبيعة الحال، صناعة النجوم، والباقي يتكفل فيه الإعلام التجاري “الرابح الأكبر” من عملية التسويق والنشر عبر مختلف قنواته.
بطبيعة الحال يمتلك هذا الفن دور ورسالة مؤدلجة، هي نشر الإسفاف والرداءة والانحطاط الأخلاقي والتربوي، ضمن مشروع العولمة وثقافتها الوحيدة المعممة، ثقافة الإلهاء والإفساد، وخاصة للأجيال الشابة الفتية، عبر إغراقها بالمعنى الحرفي للكلمة، بهذه النتاجات الغنائية الضحلة، التي تفتقر الى المعايير الجمالية والذوقية، والأصول الراسخة التي انبنى عليها هذا الفن الإنساني العظيم عبر التاريخ. ولهذا لانعجب كثيراً حين نرى هذه الثقافة تنتشر كالوباء في أرجاء العالم، بفعل الاقتصاد الضخم والإعلام المسيطر، الذي يسعى كمانبه إليه الكثير من الحكماء والفلاسفة في العالم، الى “أمركة” العالم ونشر القيم الاستهلاكية التي تبشر بها على الدوام منظومة العولمة،وتوابعها حيث تحول هذا الفن النبيل، الى منطق السوق والعرض والطلب كأية سلعة تجارية، أي الفن السلعة الذي يدر أرباحاً فلكية لشركات الإنتاج الفنية التي تتسابق على تقديم كل ماهو رديء ومنحط، ولا داعي لذكر الأمثلة على هذا الواقع المزري لفن الأغنية اليوم، فالشواهد والأمثلة ماثلة أمام أعيننا تحاصرنا على مدار اليوم. وبالعودة الى الماضي القريب، نجد أن فن الغناء العربي احتفى على الدوام بكل ماهو أصيل وجميل، شعراً ولحناً وأصواتاً ذكية ومثقفة، تمتلك حضورا وكاريزما بفضل موهبتها العظيمة ودراستها المعرفية المتقدمة لأصول وقواعد هذا الفن، كما لاننسى بطبيعة الحال الأُذن والذائقة العربية التي امتلكت بدورها الثقافة العميقة والقدرة على الانتخاب مابين الفن الراقي الأصيل، وبين الفن التجاري الهابط، وكان من المحال أن يدخل المهرجون والدجالون والأدعياء مجال هذا الفن، الذي كانت تحرسه هذه الذائقة الخطيرة، إضافة الى الدور الكبير الذي قامت به وزارات الثقافة والإعلام في البلاد العربية في تأطير هذا الفن، ضمن المشاريع الثقافية التنويرية ومنحه الدعم الكامل انتاجاً ونشراً وتوزيعا، وهو ما انتج كماهو معلوم نهضة موسيقية باذخة الجمال اعتبرت بمثابة عصر ذهبي ثانٍ لموسيقانا العربية، بعد العصر الذهبي الأول، إبان الدولة العباسية، هذا يقودنا الى القول أن فن الغناء العربي اليوم، هو فن نفعي عديم القيمة الابداعية، يستقي مرجعيته من الآخر المغاير، ومن تقنياته وبرامجه الذكية، التي تفعل العجب العجاب في برمجة وتدجين هذه الذائقة العليلة، وإدماجها في أتون هذه المنظومة المؤدلجة، بما يحدث قطيعة معرفية وروحية ووجدانية مع الماضي وميراث هذا الفن، وهذه إحدى رسائل هذه المنظومة الماكرة غير المعلنة ” المشفرة “التي لم ينتبه اليها صناع المحتوى الفني بأشكاله وأنماطه المختلفة. وبالتأكيد هذا الفن المعاصر لايعدم بعض النتاجات الراقية لفرسان حقيقيين وأوفياء لرسالة هذا الفن في بناء وارتقاء المتلقي العربي ذوقياً وجمالياً، وهذا من حسن الحظ، خاصة في زمن عزّ فيه الإبداع وندر، لأسباب عديدة لامجال لذكرها هنا.